ما لَكم خائفينَ هذا الخَوف؟

متفرقات

ما لَكم خائفينَ هذا الخَوف؟

 

 

 

 

ما لَكم خائفينَ هذا الخَوف؟

 

 

يخبرنا إنجيل القدِّيس مرقس (4/ 33 -41) عن العاصفة التي ضربت السّفينة فيما كان يسوع نائمًا، فخاف التلاميذ وأيقظوه؛ فاستيقظَ وزَجَرَ الرِّيحَ والبَحر وقال لهم: "ما لَكم خائفينَ هذا الخَوف؟ أَإِلى الآنَ لا إِيمانَ لَكم؟".

 

 إيمان وخوف؛ خصمان يتنافسان على قلب الإنسان، لكن كلمة الله تعزّينا وتذكِّرنا باستمرار: لا تجزع ولا تخف! فالخوف ليس أبدًا غياب الشّجاعة وإنّما هو غياب الثقة، إنّه خوف من الله لأنّنا نملك صورة خاطئة عنه، تمامًا كآدم وحوّاء اللذان كانا يعتقدان أنّ الله يسلب الحريّة بدلاً من أن يقدّم إمكانيّات وفرص، وأنّه يهتمّ فقط بالشّريعة وليس بسعادة أبنائه، أنّه إله يدين ينبغي الهروب منه بدلاً من الذهاب إلى لقائه؛ بمعنى آخر إله لا يُمكن أن نثق به. وبالتالي فالخطيئة الأولى في التاريخ هي خطيئة ضدّ الإيمان. فالخوف يولد من الصّورة الخاطئة التي نكوّنها عن الله.

 

 نحن أمام الخوف من العاصفة، إنّه الخوف الذي يولد من الشّعور بأنّ الله قد تركنا، فالله يبدو نائمًا ونحن نريده أن يتدخّل فورًا، وهذا ما يفعله: هو يتدخّل وهو بقربنا، لكن الله لا يتصرّف مكاننا، لا ينتشلنا من العاصفة بل يعضدنا داخل العاصفة، وفي هذا السّياق تساعدنا جملة من اللّاهوتيّ بونهوفر: الله لا ينقذنا من الألم وإنّما ينقذنا داخل الألم، لا يحمينا من العذاب وإنّما يحمينا في العذاب، ولا يخلّصنا من الصَّليب وإنّما يخلّصنا بالصَّليب.

 

فالله لا يمنحنا حلولاً لمشاكلنا بل يعطينا ذاته. قد نفكّر أحيانًا أنّه يمكن للإنجيل أن يحلّ مشاكل العالم أو أن يخفـِّـف العنف والأزمات في التاريخ ولكن الأمر ليس كذلك لأنّ الإنجيل يحمل معه الرَّفض والاضطهاد والصلبان.

 

 يعلّمنا يسوع أنّ هناك طريقة واحدة للتغلّب على الخوف وهي الإيمان! ورسالة الكنيسة حتّى في داخلها هي أن تحرّر أبناءها من الخوف، لأنّ من واجب الذي ينقل الإيمان أن يربّي أيضًا على عدم الخوف والتحرّر منه.

 

لزمن طويل نقلت الكنيسة إيمانًا مجبولاً بالخوف يتمحور حول نموذج الخطيئة والقصاص. فالخوف قد ولد في آدم لأنّه لم يتمكّن حتّى من تصوّر الرّحمة وثمرتها التي هي الفرح... الخوف يولّد مسيحيِّين بؤساء وإلهًا بدون فرح؛ أمّا التحرّر من الخوف فهو يعني رفع حجاب الخوف الموضوع على قلب العديد من الأشخاص: كالخوف من الآخر والغريب فينتقلون من العداوة إلى الإستقبال، وتحرير المؤمنين من الخوف من الله كما فعل ملائكته عبر تاريخ الخلاص الطويل بمعنى آخر أن نكون ملائكة يحرِّرون الآخرين من الخوف!

 

 

إذاعة الفاتيكان.