إيماننا بالمسيح يجعلنا ننظر إلى المستقبل من خلال انتظار الآتي إلينا منذ البدء. فالعهد القديم مليء من هذا الانتظار تحت شكل الشكوى والصراخ والدعاء، من خلال الأوامر الصارمة الموجهّة من الله الذي لم ننتهي من انتظاره وهو يتأخر.
في العهد الجديد، انتظار ملكوت الله النهائي يعني عودة من سبق أن أتى ليدشنه: المسيح. لكي نفهم لغة الأناجيل الصّعبة بخصوص هذه العودة، علينا أن نقارنها مع بعض كلمات يسوع حول الملكوت.
إنّها تعلّمنا بأن الملكوت المُنتظر حاضر مسبقاً وهو فينا وفي وسطنا، لكنّه خفيّ كالخميرة في العجين. فحيث هناك أُناس يعيشون فيما بينهم الحبّ الأخويّ كما عاشه المسيح، حيث الفقراء محبوبين ومخدومين، الملكوت حاضر.
ولكن، بكل تأكيد هذا الحضور غير تام، وبين «ما قد تمّ» و«ما لم يتمّ بعد» من الملكوت، هناك مجمل التاريخ البشريّ، مجمل تاريخ كلّ إنسان. فالملكوت الذي ليس منّا، لا يتحقق خارجاً عنّا، بما أنّه من أجلنا.
إنّه مُعطى لنا ولكنّه غير مفروض علينا؛ يبقى أن نستقبله بحرّيتنا ونعيش منه، أي أن نترك الحبّ الذي هو قانون هذا الملكوت، أي الله نفسه، أن يقيم فينا ويعبر من خلالنا ليصل إلى الآخرين.
بهذا المعنى الملكوت الخفيّ يعمل منذ البدء وحتى يتمّ كليّة في ضوء المسيح القائم من بين الأموات. فعندما يعود المسيح، نفهم حياتنا على ضوءه، بقراءتنا لطريقة استقبالنا لهذا الملكوت.
هذا يعني أنّنا لن نُدان: نحن من ندين أنفسنا بحسب طريقة استقبالنا لنور المسيح. فليس هناك من داع لنخاف الدينونة، لأنّ نور المسيح لا يكتفي بأن ينير أعماق قلوبنا، بل من خلال ذلك يشفيها. كما يقول لنا بولس الرّسول «كلّ من يأتي إلى النّور يصبح نور».
كيف يمكننا أن نعيش زمن المجيء والتهيئة للمسيح؟ أوّلاً نحن نتهيّأ للاحتفال بمجيء ابن الله في جسدنا في بيت لحم باليهوديّة.
فالمطلوب إذن أن نسهر ونكون جاهزين لاستقبال من قد يأتي في أيّة لحظة كالسارق. ولكن عندما يأتي هل نكون أهلاً لمعرفته؟ بهذا الخصوص المسيح واضح جداً «فإذا قال لكم عندئذ أحد من الناس: ها هوذا المسيح هنا، أو هناك فلا تصدقوه».
فالحقيقة هي أنه دائماً هنا، إنه يزورنا في شبكة حياتنا اليومية والتي يأتي ليمليها من حضوره، ولكن لا شك أنه يأتي أيضاً في اللحظات التي يبدو فيها غائب تماماً. إنه يرغب باللقاء فينا لدرجة أنه يأتي أيضاً للقائنا على الطرق التي نختارها للهروب منه.
بانتظار «يوم المسيح»، كلمته المُعلنة مسبقاً بيننا تحقق الانقسام: «يكون عندئذ رجلان في الحقل، فيُقبض أحدهما ويُترك الآخر». في الحقيقة إعلان السلام، الكشف بأن الحقيقة النهائية للإنسان هي الحب تضعنا أمام اختيار: أن نثق بالكلمة ونهتدي، أي أن نختارها وننتمي إليها، أو أن نرفضها.
ظاهرياً الحياة هي هي: رجلان في الحقل، امرأتان على الرحى. الاهتمامات تبقى ذاتها، اهتمامات كل يوم ولكن يمكننا أن نعيشها من أجل التسلط واستعباد الآخرين أو من أجل الوحدة؛ من أجل الحرب أو من أجل الحب.
مقابل انقسام البشر البعض ضد الآخر، يقيم المسيح انقساماً آخر: من يعمل من أجل السلام والمصالحة ومن يختار العنف. فالترنيمة التي تعبر عن مجيء المسيح هي بدون شك «المجد لله في العلى والسلام للناس أهل رضاه».
قد نخاف مجيئه خاصة عندما نكون قد مللنا من ضعفنا وسخافتنا. علينا هنا أن نتذكر بأن المسيح لم يتلفظ، على قاتليه وبالتالي علينا سوى كلمات المغفرة: «اغفر لهم يا أبتي لأنهم لا يدرون ما يفعلون».
ويسوع قال لنا بأن الآب يعمل دائماً ما يطلبه منه الابن؛ والكنيسة تقول لنا اليوم «استيقظوا واخرجوا من سباتكم ولا مبالاتكم وسطحيتكم ولا تنسوا أبداً بأن المسيح يرغب بلقائكم». لهذا السبب السؤال الوحيد الذي علينا طرحه اليوم على أنفسنا هو: هل نريد اليوم أن نلتقي به؟
الأب رامي الياس اليسوعي.