أوّلاً أن يكون الإنسان مسيحيّ هذا يعني أنّه يتبع المسيح، يتتلمذ له، لكي تصبح، قدر المستطاع، أقواله وتصرفاته وعلاقاته كأقوال وتصرفات وأعمال المسيح نفسه. بهذا المعنى يحقق المسيحيّ دعوته على صورة الله كمثاله. وهذه هي أيضًا الدعوة إلى القداسة، بما أنَّ المسيحيّ مدعوّ إلى القداسة.
إذا أراد الإنسان الوصول إلى هذا التحقيق فمن المستحيل تحقيقه بإمكانيّاته الشَّخصيّة مهما كانت هذه الإمكانيّات. لذلك عليه الإتّكال على الرّوح القدس الموجود في أعماقه فيسلّم ذاته له لكي يقوده بحسب إرادة الله. هنا يأتي دور الحياة الرُّوحيَّة والعلاقة الشخصيَّة مع المسيح.
فأن أشهد للمسيح يعني إذن أن أتبنّى أقواله وأعماله وتصرّفاته. هذا يعني قبل كلِّ شيء أن أقبل الآخر كما هو، بإختلافه عنّي، وإحترامي لحرِّيته وبالتالي عدم السَّعي لفرض أفكاري وقناعاتي عليه، أيّاً كان هذا الآخر، معتقده، انتمائه الديني والإجتماعي والسياسي. والقبول الحقيقيّ يعود لحبّه كما هو.
حبّي للآخر ولاختلافه أعبّر عنه بشكل خاص من خلال مقدرتي على مسامحته ومغفرته عندما يسيئ لي. الحب يعبّر عنه أيضاً بشكل مميّز من خلال الخدمة، المسيح يقول عن نفسه: «إن إبن الانسان لم يأتي ليُخدّم بل ليخدم ويفدي بنفسه جماعة الناس» أي أن أكون إنسان من أجل الآخرين، خادمًا لهم.
أخيراً يمكن القول بأن الحبّ يقود بدون شكّ إلى الموت عن الذات حبّاً بالآخر: «ما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه». أي أن أقبل بأن أموت عن شيء أحبّه، شيء مهمّ بالنسبة لي، شيء أنا متعلّق به وله أهميَّة كبيرة لي، من أجل أن أكون للآخر.
أن أكون شاهداً للمسيح هذا يعني أن أكون مُصغيًا للآخر وحاضرًا له بمعنى أنني مستعدّ لمساعدته عندما يكون بحاجة إليّ. كلّ ذلك يعود لموقف من يقبل «بالإنسحاب» لكي ينمو الآخر وهذا ما يقوله يوحنّا المعمدان عن ذاته أمام المسيح: «عليّ أن أصغر وعليه أن يكبر».
كما هو واضح إذن لكي أكون شاهدًا عليَّ تبني أقوال ومواقف المسيح، أي أن أكون حرًّا. والحريّة الحقيقية هي أن أكون حرَّا من ذاتي، لا أسمح بأن أكون عبدًا لأي شيء وخاصة لذاتي «لأناي». لأن الحبّ، الخدمة، الموت عن الذات كلّها تتطلب الحريّة. لكن هذا لا يمكن تحقيقه خارجًا عن عمل الرّوح القدس الوحيد القادر على أن يحرّرني. وأفضل وسيلة لكي أدع الرّوح يعمل فيَّ هي الصَّلاة والتأمُّل في الإنجيل والمشاركة في القدّاس.
الأب رامي الياس اليسوعي