أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
إن الدعوة إلى الفرح هي من خصائص زمن المجيء: فانتظار ميلاد المسيح، الانتظار الذي نعيشه هو انتظار فَرِح، يشبه إلى حدّ ما انتظارنا لزيارة شخص نحبّه كثيرًا، مثل صديق لم نره منذ فترة طويلة، أو أحد الأقرباء... ننتظر بفرح. وبُعدُ الفرح هذا يظهر بشكل خاص اليوم، في الأحد الثالث، الذي يبدأ بدعوة القدّيس بولس: "افرحوا بالربّ دائمًا" (آية المدخل؛ را. في 4، 4. 5). "افرحوا!" الفرح المسيحي. وما هو الدافع لهذا الفرح؟ هو أن "الربّ قريب" (آية 5). وكلّما اقترب الربّ منّا، كلّما ازداد فرحنا؛ وكلّما ابتعد، كلّما ازداد حزننا. وهذه قاعدة للمسيحيّين. قال أحد الفلاسفة ذات مرّة شيئًا يشبه إلى حدٍّ ما هذا القول: "لا أفهم كيف يمكن للمرء أن يؤمن اليوم، لأن الذين يقولون إنهم يؤمنون يبدون وكأنهم في مأتم. لا يشهدون لفرح قيامة يسوع المسيح". فوجوه الكثير من المسيحيّين حزينة، نعم، وجوه حزينة، وجوه حزن... لكن المسيح قام! المسيح يحبّك! وليس لديك الفرح؟ لنفكّر في هذا الأمر لبرهة ولنقل: "أنا سعيد لأن الربّ قريب منّي، لأن الربّ يحبّني، لماذا افتداني الربّ؟".
يقدّم لنا الإنجيل بحسب القدّيس يوحنا اليوم الشخصيّة الكتابية التي - باستثناء السيّدة العذراء والقدّيس يوسف - كانت أوّل مَن عاشت انتظارَ المسيح، وبقوّة، وفَرِحَت بمجيئه: إننا نتّحدث طبعًا عن يوحنا المعمدان ( يو 1، 6- 8. 19- 28).
يقدّمه الإنجيلي بشكل مهيب: "ظَهَرَ رَجُلٌ مُرسَلٌ مِن لَدُنِ الله [...] جاءَ شاهِداً لِيَشهَدَ لِلنَّور" (آيات 6- 7). المعمدان هو الشاهد الأوّل ليسوع، بالكلام وبهبة الحياة. وتُظهِر الأناجيل كلّها بتوافق كيف حقّق رسالته مُعلِنًا أن يسوع هو المسيح، الذي أرسله الله، والذي وعد به الأنبياء. كان يوحنا المعمدان القائد في عصره. وذاعت شهرته في جميع أنحاء يهودا وخارجها، وحتى الجليل. لكنه لم يقع ولو للحظة في تجربة لفت الانتباه إلى نفسه: كان دائمًا يوجه الآخرين نحو الآتي بعده. كان يقول: "لَستُ أَهلاً لأَن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه" (آية 27). يوجّه دومًا نحو الربّ. مثل السيّدة العذراء التي توجّه نحو الربّ: "اصنعوا ما يقوله لكم". الربّ هو دومًا في المحور. والقدّيسون من حوله، يوجّهون نحو الربّ. ومن لا يوجّه نحو الربّ ليس قدّيسًا.
ها هو الشرط الأوّل للفرح المسيحي: نحوّل الاهتمام عن أنفسنا ونضع يسوع في المحور. هذا ليس نفورًا، لأن يسوع هو المحور حقًّا، إنه النور الذي يعطي معنى كاملًا لحياة كلّ امرأة أو رجل يأتي إلى هذا العالم. إنه ديناميكية الحبّ نفسه، الذي يقودني للخروج من ذاتي لا لأفقد ذاتي، بل لأجد نفسي إذ أبذلها، وأسعى لخير الآخر.
لقد حقّق يوحنا المعمدان مسيرة طويلة حتى يتوصّل ليشهد ليسوع. فطريق الفرح ليس بنزهة. الفرح يحتاج جهدًا. تخلّى يوحنا عن كلّ شيء، منذ الصغر، حتى يضع الله أولًا، ويصغي إلى كلمته من كلّ قلبه وبكلّ قوّته. اختلى يوحنا في الصحراء، وتجرّد من كلّ ما هو غير ضروري، حتى يكون حرّا في اتّباع ريح الروح القدس. إن بعض سمات شخصيّته هي فريدة واستثنائية بالطبع وليست متاحة للجميع. لكن شهادته هي نموذجية لأيّ شخص يريد البحث عن معنى حياته وإيجاد الفرح الحقيقي. يوحنا المعمدان هو المثال، لا سيّما، لمن هم مدعوّون في الكنيسة لإعلان المسيح للآخرين: لا يمكنهم أن يتمّموا ذلك إلّا بتخليهم عن ذواتهم وعن الروح الدنيويّة، ليس من خلال جذب الأشخاص لأنفسهم بل عبر توجيههم إلى يسوع. هذا هو الفرح: أن نوجّه الآخرين نحو يسوع.
يجب أن يكون الفرح ميزة إيماننا؛ أن يميّزنا ذاك الفرح الداخلي، حتى في الأوقات المظلمة، لمعرفتنا أنّ الربّ معنا، معي، وأن الربّ قد قام من بين الأموات. الربّ! الربّ! الربّ! هذا هو محور حياتنا، وهذا هو محور فرحنا. فكّروا جيّدًا اليوم: وأنا كيف أتصرّف؟ هل أنا شخص فرح يعرف كيف ينقل فرح كونه مسيحيّ، أم أنا دومًا مثل الأشخاص الحزينين، كما قلت أعلاه، الذين كأنهم في مأتم؟ إذا لم يكن لديّ فرح الإيمان فلا أستطيع أن أشهد، وسوف يقول الآخرون: "إذا كان الإيمان حزين إلى هذا الحدّ، فالأفضل ألّا نؤمن".
سوف نرى الآن، بتلاوتنا صلاة التبشير الملائكي، كيف أن كلّ هذا قد تمّ بالكامل في العذراء مريم: لقد انتظرت بصمت كلمة الله الخلاصيّة؛ أصغت لها، وقبلتها، وحبلت بها. وبها صار الله قريبّا. ولهذا السبب تدعو الكنيسةُ مريم "سبب سرورنا".
صلاة التبشير الملائكي
بعد صلاة التبشير الملائكي
أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
أتمنّى للجميع أحدًا مباركًا. لا تنسوا الفرح! إن المسيحي فرح القلب حتى في المِحَن. إنه فرح لأنّه قريب من يسوع: هو الذي يمنحنا الفرح. من فضلكم، لا تنسوا أن تصلّوا من أَجلي. غداء هنيئًا وإلى اللقاء!
موقع الكرسي الرسولي.