أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أحد مبارك!
إنجيل الليتورجيا اليوم (مرقس 10، 17-30) يكلِّمنا على رجل غنيّ أسرع إلى لقاء يسوع وسأله: "أَيُّها المُعَلِّمُ الصَّالح، ماذا أَعمَلُ لأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟» (الآية 17). فدعاه يسوع إلى أن يترك كلّ شيء ويتبعه، لكن الرّجل، انصرف حزينًا، لأنّه "كانَ ذا مالٍ كثير" (الآية 22)، كما يقول النّص.
يمكننا أن نرى حركتَين في هذا الرَّجل: في البداية، أسرع إلى لقاء يسوع. وفي النّهاية، انصرف حزينًا. أوّلًا أسرع نحوه، ثمّ انصرف عنه. لنتوقّف عند هذا.
أوّلًا، هذا الرّجل أسرع إلى يسوع. كأنّ شيئًا في قلبه يدفعه: في الواقع، رغم امتلاكه الثّروات الكثيرة، إلّا أنّه كان غير راضٍ، في داخله قلق، وهو يبحث عن حياة أكثر كمالًا. وكما يفعل مرارًا المرضى والممسوسون (راجع مرقس 3، 10؛ 5، 6)، ونرى ذلك في الإنجيل، جثا الرّجل عند قدمَي المعلِّم. إنّه غنيّ، ومع ذلك فهو في حاجة إلى شفاء. حَدَّقَ إِليه يسوع وأَحبَّه (راجع الآية 21). ثمّ قدّم له ”علاجًا“: بِعْ كلّ ما تملك، وأعطه للفقراء، وتعال فاتبعني. هنا، نرى نهاية غير متوقّعة: صار هذا الرّجل حزينًا وانصرف! كانت رغبته شديدة واندفاعه كبيرًا إلى لقاء يسوع، وجاء وداعه ليسوع باردًا وسريعًا.
نحن أيضًا نحمل في قلوبنا طلبًا للسّعادة لا يمكن إلغاؤه، وطلبًا لحياة لها معنى. ومع ذلك، يمكننا أن نقع في وَهمِ الاعتقاد بأنّنا نجد الجواب في امتلاك الأشياء الماديّة وفي الضّمانات الأرضيّة. لكن يسوع يريد أن يعيدنا إلى حقيقة رغباتنا ويجعلنا نكتشف أنّ الخير الذي نتوق إليه هو في الحقيقة الله نفسه، حبّه لنا، والحياة الأبديّة التي يستطيع هو وحده أن يمنحنا إياها. الغِنَى الحقيقيّ هو أن يَنظر الله إلينا بمحبّة – هذا هو الغنى الكبير- كما فعل يسوع مع ذلك الرّجل، وأن نحبّ بعضنا بعضًا، فنجعل حياتنا عطيّة للآخرين. إخوتي وأخواتي، لهذا، يدعونا يسوع إلى المغامرة، إلى”مغامرة الحبّ“: أن نبيع كلّ شيء ونعطيه للفقراء، وهذا يعني أن نتجرَّد من أنفسنا وضماناتنا الزّائفة، فنصير متنبِّهين للمحتاجين، ونتقاسم معهم خيراتنا، ليس فقط الأشياء بل ما نحن: مواهبنا، وصداقتنا، ووقتنا، وما إلى ذلك.
أيّها الإخوة والأخوات، هذا الرّجل الغنيّ لم يُرِدْ أن يخوض مغامرة الحبّ فانصرف حزينًا. ونحن؟ لنسأل أنفسنا: بماذا يتمسَّك قلبنا؟ كيف نروي عطشنا إلى الحياة والسّعادة؟ هل نعرف أن نشارك مع من كان فقيرًا، أو كان في ضيق أو يحتاج إلى بعض الإصغاء، أو إلى ابتسامة، أو إلى كلمة تساعده لاستعادة الأمل؟ لنتذكّر هذا: الغنى الحقيقيّ ليس في خيرات هذا العالم، بل في حبّ الله لنا، وفي أن نتعلَّم أن نحبّ مثله.
والآن، لنطلب شفاعة سيِّدتنا مريم العذراء، لكي تساعدنا لنكتشف كنز الحياة في يسوع.
صلاة الملاك
بعد صلاة الملاك
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!
ما زلت أتابع بقلق ما يحدث في الشّرق الأوسط، وأدعو مرّة أخرى إلى وقف فوري لإطلاق النّار على جميع الجبهات. لنتبع طريق الدّبلوماسيّة والحوار لتحقيق السّلام.
أنا قريب من جميع السّكان المعنيين، في فلسطين وإسرائيل ولبنان، حيث أطلب احترام قوات حفظ السّلام التّابعة للأمم المتّحدة. أصلّي من أجل جميع الضّحايا، ومن أجل المهجَّرين، ومن أجل الرّهائن الذين آمل أن يتمّ إطلاق سراحهم على الفور، وآمل أن تنتهي قريبًا هذه الآلام الكبيرة التي لا فائدة منها، النّاتجة عن الكراهية والانتقام.
أيّها الإخوة والأخوات، الحرب وَهم، إنّها هزيمة، ولن تجلب السّلام أبدًا، ولن تجلب الأمن أبدًا، وهي هزيمة للجميع، وخاصّة للذين يعتقدون أنّهم لا يُقهرون. توقّفوا، من فضلكم!
وأوجِّه ندائي حتى لا يُترك الأوكرانيون يموتون من البرد، وأن تتوقّف الهجمات الجويّة ضدّ السّكان المدنيّين، هم الذين يُقتَلون أكثر من غيرهم. توقّفوا عن قتل الأبرياء!
أتابع الوضع المأساويّ في هايتي، حيث يتواصل العنف ضدّ السّكان الذين أُجبروا على الفرار من بيوتهم بحثاً عن الأمان في أماكن أخرى، داخل البلاد وخارجها. لا ننس أبدًا إخوتنا وأخواتنا الهايتيين. أطلب من الجميع أن يصلّوا من أجل أن تتوقّف جميع أشكال العنف، وأن نواصل، بالتزام المجتمع الدّولي، العمل على بناء السّلام والمصالحة في البلاد، والدّفاع دائمًا عن كرامة وحقوق الجميع.
يوم الجمعة المقبل 18 تشرين الأوّل/أكتوبر، تشجّع مؤسّسة ”العون للكنيسة المحتاجة“ مبادرة مليون طفل يتلون المسبحة الورديّة من أجل السّلام في العالم. شكرًا لجميع الفتيان والفتيات الذين سيشاركون! إنّنا ننضّم إليهم ونوكل إلى شفاعة سيّدتنا مريم العذراء - ويصادف اليوم ذكرى الظّهور الأخير لها في فاطيما - أوكرانيا وميانمار والسّودان المعذّبة والشّعوب الأخرى التي تتألّم من الحرب وكلّ شكل من أشكال العنف والبؤس.
وأتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا. ومن فضلكم، لا تنسَوْا أن تصلّوا من أجلي. غداءً هنيئًا وإلى اللقاء!
إذاعة الفاتيكان