تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر الأحد صلاة إفرحي يا ملكة السماء مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها
نحتفل اليوم، في عيد العنصرة، بحلول الروح القدس على الرسل، والذي حدث بعد خمسين يومًا من عيد الفصح. بعد أن كان يسوع قد وعد به عدة مرات. ينقل إلينا الإنجيل، في الليتورجية اليوم، إحدى هذه المرات، عندما قال يسوع للتلاميذ: "الرُّوحَ القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِاسمي هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء ويُذَكِّرُكُم جَميعَ ما قُلتُه لَكم". هذا ما يفعله الروح: هو يُعلمنا ويذكرنا بما قاله المسيح. لنتأمّل حول هذين العملين، التعليم والتذكير، لأنّ هذه هي الطريقة التي يدخل بها إنجيل يسوع إلى قلوبنا.
أولاً الروح القدس يعلِّم. بهذه الطريقة يساعدنا على تجاوز عقبة تظهر في خبرة الإيمان: وهي المسافة. في الواقع، قد ينشأ الشك في أن هناك مسافة كبيرة بين الإنجيل والحياة اليومية: لقد عاش يسوع لألفي سنة خلت، وقد كانت أزمنة أخرى، ومواقف أخرى، وبالتالي يبدو أن الإنجيل قد أصبح قديمًا، وغير ملائم لكي يحدِّث حاضرنا بمتطلباته ومشاكله. هذا السؤال يأتي إلينا نحن أيضًا: ماذا يمكن للإنجيل أن يقول في عصر الإنترنت والعولمة؟ كيف يمكن لكلمته أن تؤثّر على الأشخاص؟
إنَّ الروح القدس هو متخصص في ملء المسافات، ويعلمنا أن نتغلب عليها. هو الذي يربط تعاليم يسوع بكل زمن وكل شخص. معه لا تكون كلمات المسيح مجرّد ذكرى، لا وإنما وبقوة الروح القدس تصبح كلمات المسيح اليوم حيّة! نعم، إنَّ الروح يجعلها حيّة من أجلنا: ومن خلال الكتاب المقدس يخاطبنا ويوجّهنا في الحاضر. هو لا يخاف من مرور القرون، لا بل هو يجعل المؤمنين مُتنبِّهين لمشاكل وأحداث زمنهم. إنَّ الروح القدس، في الواقع، عندما يعلم، يُحدِّث: ويحافظ على الإيمان شابًا على الدوام. نحن نخاطر بأن نجعل الإيمان شيئًا يُعرض في المتاحف، أما الروح القدس فيجعله يتماشى مع العصر. لأن الروح القدس لا يرتبط بعصور أو نزعات عابرة، بل يحمل إلى الحاضر آنيّة يسوع القائم من الموت والحي.
كيف يفعل الروح هذا؟ تابع البابا متسائلاً بجعلنا نتذكر. وهذا هو الفعل الثاني، تذكر، أي أعاد إلى القلب: إنَّ الروح يعيد الإنجيل إلى قلوبنا. ويحدث لنا ما حدث للرسل: كانوا قد أصغوا ليسوع مرات عديدة، ومع ذلك لم يفهموه كثيرًا. ولكنّهم من يوم العنصرة فصاعدًا تذكروا وفهموا بالروح القدس. قبلوا كلماته كما ولو أنّها قد صُنعت خصيصًا لهم وانتقلوا من معرفة خارجية إلى علاقة حية وثابتة وسعيدة مع الرب. إنَّ الروح هو الذي يفعل هذا، وهو الذي يجعلنا ننتقل من ما سمعناه من آخرين إلى معرفة شخصيّة ليسوع الذي يدخل قلوبنا. وهكذا يغير الروح القدس حياتنا: يجعل أفكار يسوع تصبح أفكارنا. ويقوم بذلك من خلال تذكيرنا بكلماته.
أيّها الإخوة والأخوات، بدون الروح الذي يذكرنا بيسوع، يُصبح الإيمان بدون ذاكرة. ونحن - لنحاول أن نسأل أنفسنا - هل نحن مسيحيون قد فقدوا الذاكرة؟ ربما تكفي معاكسة أو جهد أو أزمة لكي ننسى محبة يسوع ونسقط في الشك والخوف؟ العلاج هو استدعاء الروح القدس. لنقم بذلك غالبًا، لاسيما في اللحظات المهمة وقبل اتخاذ القرارات الصعبة. لنأخذ الإنجيل في يدنا ولنستدعي الروح القدس. يمكننا أن نقول هكذا: "تعال أيها الروح القدس، ذكرني بيسوع، أنر قلبي". ومن ثم لنفتح الإنجيل ونقرأ فقرة صغيرة ببطء. وسيجعلها الروح القدس تحدّث حياتنا. لتُشعل فينا العذراء مريم، الممتلئة من الروح القدس، الرغبة في أن نرفع الصلاة له ونقبل كلمة الله.
إذاعة الفاتيكان.