ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الجمعة في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان في تذكار القديس يوسف العامل، رفع خلاله الصلاة على نيّة العمال وقال: نصلّي اليوم في عيد القديس يوسف العامل وفي يوم العمال على نيّة جميع العمال، لكي لا ينقصنَّ العمل عن أحد ويتقاضوا جميعًا أجرًا عادلاً ويتمتّعوا بكرامة العمل وجمال الراحة.
استهلَّ الأب الأقدس عظته انطلاقًا من القراءة الأولى من كتاب سفر التكوين والتي تخبرنا أنَّ الله قد خلق الإنسان على صورته ومثاله وأنَّ الله فرغ فِي اليوم السابع من عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاستَرَاحَ فِي اليوم السابع من جميع عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ.
إن الله يسلّم نشاطه وعمله للإنسان لكي يعاونه. العمل البشري هو دعوة نلناها من الله وهو يجعل الإنسان شبيهًا بالله لأن الإنسان قادر على أن يخلق بواسطة عمله. إن العمل يعطي الكرامة؛ كرامة غالبًا ما سُحقت عبر التاريخ. واليوم أيضًا نجد العديد من العبيد، عبيد للعمل لكي يتمكنوا من العيش: أعمال قسريّة وقليلة الأجور وكرامة مسحوقة. هذا الأمر يحصل لدينا هنا أيضًا، مع العاملين اليوميين مع رواتب حدٍّ أدنى مقابل ساعات عمل طويلة، مع الخادمة التي لا تتقاضى أجرًا عادلاً ولا تملك تأمينًا اجتماعيًّا ولا مخصصات التقاعد. هذه الأمور تحصل هنا وهذا سحق للكرامة البشريّة. كل ظلم يتعرّض له العامل هو سحق للكرامة البشرية. نتّحد اليوم مع جميع المؤمنين وغير المؤمنين الذين يحتفلون بعيد العمال ومع الذين يكافحون لكي ينالوا العدالة في العمل.
خلق الله العالم وخلق الإنسان وأعطاه رسالة أن يدير الخليقة ويعمل ويسير بها قدمًا. وكلمة "عمل" هي أيضًا الكلمة التي يستعملها الكتاب المقدّس لكي يصف نشاط الله هذا: "فرغ الله فِي اليوم السابع من عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ"، وسلّم هذا النشاط للإنسان وبالتالي فالعمل ليس إلا استمراريّة لعمل الله: إن العمل البشري هو الدعوة التي نالها الإنسان من الله في نهاية خلق العالم. وبالتالي فالعمل هو الذي يجعل الإنسان شبيهًا بالله، لأنّه وبواسطة عمله يمكن للإنسان أن يصبح خالقًا ويصبح قادرًا على خلق أمور عديدة، حتى على "خلق" عائلة ليسير قدمًا. إن الإنسان خالق أيضًا وهو يخلق بواسطة عمله وهذه هي دعوته. ويقول الكتاب المقدّس: "وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا" أي أنَّ العمل يحمل في داخله نوعًا من الصلاح ويخلق تناغم الأمور ويطال الإنسان بكامله: فكره وتصرفه وكل شيء، فالعمل يُلزم الإنسان وهو دعوة الإنسان الأولى، وهو يعطي الكرامة له، تلك الكرامة التي تجعله شبيهًا بالله. إنها كرامة العمل.
في إحدى المرات وفي أحد مراكز كاريتاس، كان هناك رجل يذهب ليبحث عن مساعدات لعائلته لأنّه كان بلا عمل، فقال له أحد موظّفي كاريتاس: "على الأقل يمكنك الآن أن تحمل الخبز إلى البيت"، فأجابه الرجل: "لكنّ هذا غير كاف! أنا أريد أن آكل خبزي بعرق جبيني!" لقد كانت تنقصه الكرامة، كرامة أن يجني خبزه بعمله ويحمله إلى بيته. ولكن للأسف كثيرًا ما تُسحق كرامة العمل. وقد قرأنا في التاريخ عن الوحشيّة التي كان يتعرّض لها العبيد: كانوا يأخذونهم من أفريقيا إلى أمريكا – أفكر بهذا التاريخ الذي يطال أرضي – ونقول في أنفسنا: "يا لهذه الوحشيّة..." ولكننا نجد اليوم أيضًا العديد من العبيد، العديد من الرجال والنساء الذين ليسوا أحرارًا ليعملوا بل يُجبرون على العمل لكي يتمكّنوا من العيش والبقاء على قيد الحياة. إنّهم عبيد، عبيد أعمال قسريّة وظالمة وقليلة الأجور تحملهم على العيش بكرامة مسحوقة. وهم كثيرون في العالم...
لقد قرأنا في الصحف منذ بضعة أشهر عن رجل في إحدى البلدان الآسيوية قتل أحد موظفيه ضربًا لأنّه أخطأ علمًا أن هذا الموظف كان يتقاضى أقلّ من نصف دولار يوميًّا. إن العبودية اليوم هي "مذلّتنا" لأنها تسلب الإنسان كرامته. قد يقول لي أحدكم: "أنا أعمل يا أبتي وأملك كرامتي"، "نعم ولكنَّ إخوتك لا!" – "نعم يا أبتي، هذا صحيح ولكن بما أن هذه الأمور لا تحصل لدينا بالتالي يصعب عليَّ فهمها؟"؛ لا هذه الأمور تحصل أيضًا لدينا هنا. فكّر بالعاملين اليوميين الذين تجعلهم يعملون بأجور قليلة أقلّ مما ينبغي وليس لثماني ساعات وإنما لاثنتي عشرة ساعة أو أربعة عشرة ساعة: هذه الأمور تحصل هنا، وفي جميع أنحاء العالم. فكّر أيضًا بالخادمة التي لا تتقاضى أجرًا عادلاً ولا تملك تأمينًا اجتماعيًّا ولا مخصصات التقاعد: هذا الأمر لا يحصل في آسيا فقط وإنما هنا أيضًا. إن كلَّ ظلم يتعرّض له شخص يعمل هو سحق للكرامة البشريّة، كذلك هو انتقاص لكرامة الظالم؛ فيما أن الدعوة التي يعطينا الله إياها هي جميلة جدًا: أن نخلق ونعمل، ولكنَّ هذا الأمر ممكن فقط عندما تكون الشروط عادلة ويتمُّ احترام كرامة كل إنسان.
نتّحد اليوم مع العديد من الرجال والنساء، مؤمنون وغير مؤمنين، الذين يحتفلون اليوم بعيد العمال ومع الذين يكافحون لكي يحصلوا على العدالة في العمل ومع رجال الأعمال الذين يسيرون قدمًا بعدالة في عملهم حتى وإن سبب لهم هذا الأمر بعض الخسارة أحيانًا. منذ شهرين تقريبًا تلقيت اتصالاً هاتفيًا من أحد رجال الأعمال هنا في إيطاليا طلب مني خلاله أن أصلّي من أجله لأنّه لا يريد أن يصرف أحدًا من الخدمة، وقال: "إن صرفتُ أحدًا منهم سأكون كمن يفصل نفسه" هذا هو ضمير العديد من رجال الأعمال الصالحين الذي يحافظون على عمالهم كما ولو كانوا أبناءهم. لنصلِّ من أجلهم أيضًا ولنطلب من القديس يوسف أن يساعدنا لكي نكافح من أجل كرامة العمل ولكي يكون هناك عمل للجميع ويكون عملاً كريمًا لا عمل عبيد. لتكن هذه صلاتنا اليوم.
إذاعة الفاتيكان