تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين والحجاج المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها يقدم إنجيل هذا الأحد صورة يوحنا المعمدان وعمله. فهو قد دلَّ معاصريه على مسيرة إيمان تشبه تلك التي يقترحها زمن المجيء علينا نحن الذين نستعدُّ لاستقبال الرب في عيد الميلاد. ومسيرة الإيمان هذه هي مسيرة ارتداد.
ماذا تعني كلمة "ارتداد"؟ تعني في الكتاب المقدس أولاً تغيير الاتجاه والتوجه، وبالتالي تغيير طريقة التفكير. في الحياة الأخلاقية والروحية، يعني الارتداد أن ينتقل المرء من الشر إلى الخير، ومن الخطيئة إلى محبة الله. هذا ما علّمه يوحنا المعمدان، الذي كان ينادي في صحراء اليهودية "بِمَعمودِيَّةِ التَوبَةِ لِغُفرانِ الخَطايا". لقد كان قبول المعمودية علامة خارجية ومرئية على ارتداد الذين سمعوا وعظه وقرروا أن يتوبوا. وكانت تلك المعمودية تتِمُّ بالتغطيس في الأردن، في الماء، ولكن هذا التغطيس كان بلا فائدة ومجرّد علامة ما لم يكن المرء مستعدًّا ليتوب ويغيّر حياته.
يتضمّن الارتداد الألم بسبب الخطايا المرتكبة، والرغبة في التحرر منها، والعزم على أن يستبعدها المرء من حياته إلى الأبد. لكن ولاستبعاد الخطيئة، علينا أيضًا أن نرفض كل ما يتعلق بها: العقلية الدنيوية، والإفراط في تقدير وسائل الراحة، والإفراط في تقدير المتعة، والرفاهية، والغنى. والمثال لهذا التجرّد يأتينا مرة أخرى من إنجيل اليوم في صورة المعمدان: رجل مُتَقَشّف، يتخلى عن الفائض ويبحث عن الجوهري والأساسي. هذا هو الجانب الأول من الارتداد: الابتعاد عن الخطيئة وروح العالم.
أما الجانب الآخر من الارتداد فهو البحث عن الله وملكوته. إن التخلي عن وسائل الراحة والعقلية الدنيوية ليس غاية في حد ذاته، ولكنه يهدف إلى تحقيق شيء أعظم، ألا وهو ملكوت الله والشركة مع الله والصداقة مع الله، لكن هذا ليس بالأمر السهل. لأن هناك العديد من الروابط التي تقرِّبنا من الخطيئة: عدم الثبات، الإحباط، الحقد، البيئات الضارة، والأمثلة السيئة. وأحيانًا يكون الاندفاع الذي نشعر به تجاه الرب ضعيفًا للغاية ويبدو أن الله يصمت؛ وتبدو لنا بعيدة وغير واقعية وعوده بالعزاء، مثل صورة الراعي المحب والمتنبّه التي يتردد صداها اليوم في القراءة التي تقدمها الليتورجية لنا من النبي أشعيا.
نميل إلى القول إنه من المستحيل أن نرتدَّ حقًا، فما الذي يمكننا فعله في هذه الحالات؟ أولاً، علينا أن نتذكر أن الارتداد هو نعمة، لا أحد يمكنه أن يرتدّ بواسطة قواه الخاصة وبالتالي علينا أن نطلبه من الله بقوة. نحن نرتدُّ حقًا بقدر ما ننفتح على جمال الله وصلاحه وحنانه.
لتساعدنا العذراء مريم كليّة القداسة التي سنحتفل بعد غد بعيد الحبل بها بلا دنس، لكي نبتعد أكثر فأكثر عن الخطيئة وروح العالم وننفتح على الله وكلمته ومحبّته التي تجدّد وتخلّص.
إذاعة الفاتيكان