جمعة أسبوع تجديد البيعة

الإنجيل

جمعة أسبوع تجديد البيعة

إنجيل اليوم (مر 2/ 18-22)

 

18 وكان تلاميذ يوحنّا والفرّيسيّون صائمين. فجاؤوا وقالوا ليسوع: "لماذا تلاميذ يوحنّا وتلاميذ الفرّيسيّين يصومون، وتلاميذك لا يصومون؟".

 

19 فقال لهم يسوع: "هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم؟ ما دام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا؛

 

20 ولكن ستأتي أيّامٌ يكون فيها العريس قد رفع من بينهم، فحينئذٍ في ذلك اليوم يصومون.

 

21 لا أحد يضع رقعة جديدة في ثوبٍ بالٍ، وإلاّ فالجديد أخذ ملأه من البالي، يصير الخرق أسوأ.

 

22 ولا أحد يضع خمرةً جديدةً في زقاق عتيقة، وإلاّ فالخمرة تشق الزّقاق، فتتلف الخمرة والزّقاق معًا. بل توضع الخمرة الجديدة في زقاقٍ جديدة".

 

 

أوّلاً قراءتي للنصّ

 

 

أُعطيَ لهذا النص، في الترجمة الليتورجيّة، عنوانان، الأول "جدال في الصوم" (18-20)؛ والثاني "الجديد والبالي" (21-22)؛  له نص موازٍ في متّى (9: 14-17)، وآخر في لوقا (5: 33-39)؛ لهذا النص الأخير شرح في زمن الصليب – الأسبوع الثالث – يوم الأربعاء.

 

 

الآيات (18-20)

 

عندما رأى الفريسيون تلاميذهم وتلاميذ يوحنا صائمين، وتلاميذ يسوع غير صائمين، جاؤوا إلى يسوع، ودخلوا في جدال معه حول الصوم، موجهين له السؤال التالي: لماذا تلاميذك لا يصومون؟

 

فأجابهم يسوع أن تلاميذه لا يصومون، ولا يستطيعون أن يصوموا، لأنهم في وضع خاص وفريد ومختلف تمام الاختلاف عن الوضع العادي والخاص بتلاميذهم: إنهم في عرس، بل بالأحرى، في "العرس"، والعريس (هو يسوع نفسه) معهم؛ بينما هم مع تلاميذهم، فليسوا في عرس، بل، ربما، في انتظار العريس (المخلّص المنتظر)، وما داموا في وضعهم هذا، وما دام هذا الوضع قائمًا بنظرهم، فعليهم أن يصوموا، ويرفعوا الطلبات، لكي يأتي المخلّص المنتظر من دون إبطاء!

 

 

 

ثمّ أعلمهم يسوع بأنّ أيّامًا ستأتي، يُرفَع فيها العريس (يرفع، هو، على الصليب، أو إلى السماء؟)، ويتوقف العرس، وتتحوّل أجواؤه إلى شعور لديهم بغياب العريس، وإلى شوق شديد إليه، وإلى رغبة في استحضاره من جديد...؛ فعندئذٍ سوف يصومون، ويأتي صومهم، لا ممارسة شرعيّة مفروضة، بل تعبير عن إيمانهم بالمخلّص الذي أتى ورأوه، وعن محبّتهم له، وعن رجائهم الوطيد بلقائه، أقلّه سريًا، في هذه الحياة! أليس، في هذا، المعنى الحقيقيّ للصّوم في المسيحيّة؟

 

 

 

الآيتان (21-22)

 

وذهب يسوع في جوابه لهم إلى أبعد من الصّوم، إلى القول بأنّ لا تواصل ولا تكامل، في مجال التعليم والممارسة، بينه وبين تلاميذه، وبينهم وبين تلاميذهم، وذلك بمثل "الجديد والبالي": فكما لا تداخل ممكن ومفيد بين ثوب جديد وثوب بالٍ (بالترقيع)، بين خمرة جديدة وزقاق عتيقة (بوضع تلك في هذه)، بل تعطيل متبادل، كذلك لا تداخل ولا تكامل بين جديد تعليمه وما يقتضيه من ممارسات من جهّة، وبالي تعاليمهم وتفسيراتهم للشريعة وما تفرضه من ممارسات من جهّة أخرى.

 

 

نشير أخيرًا إلى أنّنا لم نتنبّه دائمًا، نحن المسيحيّين، إلى الجديد والفريد في إيماننا المسيحيّ؛ لذلك، انقاد كثيرون منّا، عبر التاريخ، إلى صبّ التعاليم المسيحيّة، وبخاصّة الأخلاقيّة منها، في القوالب الفكريّة والدينيّة القديمة، ومنها اليهوديّة، غير الملائمة لها، والتي كانت سائدة في الأوساط التي وجدوا فيها؛ هذه المسيحيّة الأخلاقيّة لم تكن، دائمًا، أمينة للمسيحيّة الأصليّة؛

 

وكثيرًا ما تشابهت، من هذه الناحية، مع "الفرّيسيّة" التي لم تكن، بدورها، أمينة لروح التوراة وأقوال الأنبياء؛ هذه المسيحيّة الأخلاقيّة، "غير الصافية" مسيحيًا، هي التي عرفها العالم، واتّخذ مواقف، علميّة وفلسفيّة واجتماعيّة، مناهضة، إذا لم نقل، مناقضة لها؛ أمّا المسيحيّة الأخلاقيّة الصّافية فقد سادت في الكنيسة الناشئة، في كنيسة الرّسل والمسيحيّين الأوّلين، يوم قيل: "ما كان فيهم محتاج" (رسل 4: 34)، ونتبّينها بوضوح في استشهاد أعداد لا تُحصى من مسيحيّ الأجيال الأولى للكنيسة، وهنا وهناك في حياة العديد من القدّيسين ومبادراتهم الإنسانيّة، وفي ما حققّته جماعات كنسيّة، رعائيّة ورهبانيّة، على مدى التاريخ.

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

الآيات (18-20)

 

السؤال المطروح

 

تلاميذ يوحنّا يصومون، لأنّ معلمهم في السّجن؛ وتلاميذ الفريسيّين يصومون، لأنّ الصّوم الذي كانت الشريعة تفرضه ليوم واحد، في السنة، يوم التكفير (لا 16: 29-31)، قد أصبح، بعد منفى بابل، مفروضًا على أربعة أيّام اليهودي (راجع: زك 7: 5؛ 8: 19)؛ فجاء السؤال: لماذا يفترق تلاميذ يسوع عن العائشين معهم؟

 

جواب يسوع: تلاميذي هم أهل العرس؛ وبما أنّ الصّوم يدلّ على الحزن، فلا مكان له، ما دام العريس هنا والعرس قائم! ولكن، بعد أن يُرفع العريس (تلميحًا إلى موت يسوع)، يصبح الصّوم ممكنًا.

 

 

 

الآيتان (21-22)

 

نجدنا أمام صورتين: رقعة جديدة في ثوب عتيق بالٍ، وخمرة جديدة في زقاق (وعاء من جلد) عتيقة؛ فإن رقّعنا الثوب العتيق بالرقعة الجديدة، أو وضعنا الخمرة الجديدة في الزقاق العتيقة، نزيد الخراب، ولا نقوم بإصلاح؛ المقصود هو أنّه لا يمكن أن نكيّف الإنجيل مع التعاليم والممارسات اليهوديّة.

 

 

الأب توما مهنّا