ها هو يوم ميلادك يا من لا ميلاد لألوهتك في الزمن، وقد شاء بمحبته أن يولد إنساناً في مغارة
صغيرة أضحت باباً مشرّعاً على آفاق الأزل، تتراقص على عتباته هنيهات زمننا وسرمدية الألوهة.
وما عسى تقول أفواهنا إزاء سرّك العظيم، سرّ لا يقدر أن يفهم عظمته إلّا من كان بقلب طفل.
فيا أيّها السيِّد، أنت القائل، إفتح فمك وأنا أملأُه، ها هي شفتاي وروحي مفتوحة أمامك، فاملأها يا سيِّد من حكمتك، كيما أنشد لك، بما توحيه أنت، نشيد مجد لك.
قصتك الرّائعة محتجبة في سرّ أبيك، والملائكة تنخطف إذ تشاهد القليل القليل من عظمتك، وجدول صغير من حكمتك يا سيِّد هو لنا فيض من المعارف لا تدرك.
إجعلني اليوم كيوحنّا أصرخ، وأنا ساجد إزاء سرّ محبّتك، أنا لست أهلاً أن أحلّ سير نعليك، وكالخاطئة التي التجأت إلى ثوبك لتشفى، إجعلني أحتجب في أهدابك، وفي ظلالها أجعل لي مسكناً.
كالنازفة التي في جزعها إختبأت، وقد وجدت في قلبك الشفاء، إشفني من هروبي الخائف، واجعلني أجد فيك قلبي من جديد.
فكيف عساي أتكلم عنك؟ وبماذا أكافئ جودك؟
في خبزك إحتجب الرّوح، وفي خمرك سكنت النار التي لا يقدر على تناولها أحد، الرّوح في خبزك والنار في خمرك، فيا لها أعجوبة رائعة نالتها شفاهنا!.
فبماذا أُمجّدك يا سيِّد وكلّ ما لي هو منك؟
لذلك أقف أمامك، وكلّي معرفة أنَّ فمي الخاطئ لا يقدر أن يفوه بمجدك، أطرح ضعتي أمام جلالك، وخطيئتي أمام طهرك، ونقصي أمام عدلك وأثمي أمام كمالك.
كآلاف المرضى الذين تبعوك في أرض اليهوديّة المقدّسة، طالبين لهم الشّفاء، وكالسّامريّة التي عرفت فيك نبع ماء حياة ليس ينضب، والكنعانيّة التي نالت خلاصها من فتاتك المتساقط، آتي إليك اليوم، لا بالعبارات المنمّقة وهي لمدحك لا تكفي، ولا بالمشاعر الفياضة وهي متقلبة هوجاء، ولا بالإرادة الصلبة، وهي دون نعمتك، لا تثبت.
آتي إليك لأنّي مؤمن بك، وموقن بحضورك في سرّ الحبّ، سرّ الأسرار، جسدك ودمك، وأعرف أنك أنك تحبّ، وتنتظر، وتسمع وتستجيب. لذلك جئت مقدّماً لك ذاتي، وعائلتي ووطني وكنيستي. أقدم لك إنساني القديم فخذه وأرجعه جديداً، أقدم لك الجماعة، ولا جماعة إلا بك، وأصلي من أجل الكنيسة، جسدك السرّي، وسرّ حضورك على الأرض، حاضنة قربانك ووليدته.
إنّنا نؤمن يا رب أنّك خالق الكلّ، وأنك هدف الإنسانيّة، وأنك قِوام الكنيسة، فعلّمنا أن نعمل على هديك دوماً. أخرجنا من غوغائيّة الفرديّة القاتلة واجعلنا واحداً يعمل لمجدك فقط، أنت الذي صلّى في بستان بعيد، في ظلام الليل والألم كيما يكون تلاميذه واحداً. علّمنا أنّك المحور وليس نحن، وأنك المبدأ وليس نحن، وأنك الهدف الأوحد.
عذراً ربّي هي كلّها طلبات، إنّما طلبات إنسان نحو خالقه، فالشّكر كما قلت لك، أنا أعجز منه والمديح لا يوفيه اللسان.
وإن كانت موهبة الألوهة لنا تجلّت بشخص، بشخصك الحبيب، فالشكر يخرج منّا، بنعمة منك، بشخص أمّك. ومَن أجدى منها بإيفاء المديح والشكر لألوهتك. هي هديّة إنسانيتنا لألوهتك، وفعل شكر لا يضاهيه أي فعل آخر.
بأمّك نشكرك يا من فيك تجلّت لنا رحمة الآب وحنان الأمّ. ومن أجدى بإيفاء المديح لآدم الجديد، معطي الحياة، من مريم، حواء الجديدة وأمّ كلّ الأحياء؟
فبمريم نُعلي الشّكر لك أيّها الإبن المتجسّد والحاضر حقاً وسريًّا في القربان الأقدس،
ونرفع المجد لأبيك الذي شاء حبّه لنا أن تُضحي واحدًا منّا،
وللرّوح القدس الخالق والمجد السّجود، لك المجد إلى الأبد.
الأب بيارنجم.