في يسوع يمكنك أن تدخل إلى ملء الله وتتوغل في عمق حقيقتك الإنسانية. فيجب الذهاب إليه، إذاً، على أنه أساس وجودك كله ومصدره. وفي مراحل حياتك كلها عليك أن تكتشف المسيح كشخص حيّ يستقطب رغباتك ويوحّدها ويعطي معنى لتاريخك. حينما لا نفتش عن المسيح الحيّ بكل طاقات كياننا، تصبح الحياة لا تُطاق. ومثل بولس من المفترض أن تستطيع القول:"الحياة لي هي يسوع المسيح" (فيليبي21:1). وهل يسوع هو موضوع حياتك حقاً؟ وهل أنت عطشان إلى رؤيته وإلى التحدّث إليه وإلى الإتحاد به، وبكلمة إلى أن تلتقي به وجهاً لوجه؟ فطالما يكون في وجودك جزءٌ، مهما كان صغيراً، غير مظطرم بيسوع، فمعناه أنك لم تنل، بعد، بشرى الإنجيل.
فعليك، من ثمَّ أن تلتقيَ به وأن تعيش معه في كل ساعة من يومك، لكي تصبح كائناً واحداً معه. فيسوع ليس شخصاً تاريخياً ولا حدثاً في الماضي: لقد أصبح، بقيامته، سرًّا حيًّا يمكنك أن تختبره روحياً. فلا تبذل جهوداً يائسة للإلتحاق به في الفضاء الخارجي ما بين الكواكب. إنه قريب منك، إنه فيك، لأنه يسكن قلبك بالإيمان.
ولا تتصور أنك تلتقي بالمسيح إذ لم ترضَ بان تمضي أوقاتاً طويلة بتطلُّعه في الصلاة الصامتة. وليكن هو الموضوع الوحيد لانتباهك ولقلبك. ركّز انتباهك أكثر على شخص المسيح لتحاول اكتشاف سرّه الخفي، وراء وجهه وأقواله. ولست أنت الذي يُفتّش عنه بل هو الذي يريد أن يكشف لك ذلك عن ذاته. فإن يسوع يجيب الأعمى الذي يريد أن يعرف ابن الله: "أنك تراه، فهو الذي يكلّمك" (يو 37:9 ). ولا تنافسه المودّة بل دعه يحبك.
يتّوجه يسوع إليك في عمق سرّك الشخصي. إنه يكشف لك مجده ويطرح عليك السؤال الوحيد:" من أنا بالنسبة إليك؟". ولا تستطيع الجواب على ذلك السؤال بدون عملٍ يجريه الروح القدس فيك ليكشف لك عن المسيح. حينئذ أقلب سؤاله وقل له:" من أنت يا ربّ؟". وفي هذه النظرة الآتية إليك، ينكشف لك وجه المسيح. وإذ ذاك تنشأ علاقة صداقة التي ينظر كائنان الواحد إلى الآخر عياناً.
يترتب عليك الوصول إلى معرفة يسوع بدون وسيط ولا وكالة. وما تطلبه هنا في الصلاة ليس معرفة خارجيّة ناتجة عن عمل العقل وجهد الإرادة، بل هو غَزْوُ يسوع فيك. وما ينجم لك من معرفة هو أن يسوع شخصٌ معروف ومحبوب من الداخل، في ما وراء الكلمات والاشياء.
ومن خلال علاقة الصداقة، نشأت في يوحنا خبرة شخصيّة عن يسوع. فاطلب منه النعمة نفسّها وأنت تتذوق هذه الألفاظ:"إن ما كان منذ البدء، ما سمعناه وما رأيناه بأعيننا، وما تأملناه وما لمسته أيدينا في شأن كلمة الحياة... به نبشركم"(1 يو1 /1-3 ).
فحينما تدع يسوع يلتقي بك، تتذوق حضوره وصداقته، ولكنه لن يستوقفك عنده، لأنّه موجَّهٌ إلى الآب بكلّيته. وهذا هو الأمر الغريب في اللقاء بيسوع: بمقدار ما تصبح أليفه وصديقه الحميم، بمقدار ذلك يحقّقك كإنسان، وبمقدار ذلك أيضاً يقودك إلى حضن الآب. ولكنّك لن تنتهِ من سبر تلك الأغوار. فإن اللقاء بيسوع يرسلك أيضا إلى الآخرين:"إذهب إلى الاخوة"(يو 18:20 )، لكي تنقل إليهم البشرى السارة التي اختبرتها والتي وحدها تقدر أن تشبع قلب الإنسان وتملأه.
جان لافرنس