"جميع المعمدين مدعوون للسير في طريق القداسة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان وأكّد أن هناك مرحلتين في حياة كلّ منا "ما قبل" و"ما بعد" معرفة المسيح مشيرًا إلى أن يسوع المسيح يحقق فينا "خلقًا جديدًا" علينا أن نُظهره من خلال طريقة عيشنا.
استهل البابا عظته انطلاقًا من نص القراءة الأولى الذي تقدمه لنا الليتورجية اليوم من رسالة القديس بولس إلى أهل روما والذي يتمحور حول سرّ خلاصنا. قال الأب الأقدس يحاول القديس بولس أن يشرح لنا هذا السرّ من خلال منطق الـ "ما قبل" و"ما بعد" معرفة المسيح، ويؤكّد أن حياته قبل المسيح لم يكن لها معنى كما يقول في رسالته إلى أهل فيليبي: "أَعُدُّ كُلَّ شَيءٍ خُسْرانًا مِن أَجْلِ المَعرِفَةِ السَّامية، مَعرِفةِ يسوعَ المسيحِ رَبِّي. مِن أَجْلِه خَسِرتُ كُلَّ شَيء وعدَدتُ كُلَّ شَيءٍ نُفايَة لأَربَحَ المسيحَ"، وأنه بعد لقائه بيسوع أصبح خليقة جديدة.
تابع البابا فرنسيس يقول: نحن ولدنا مجدّدًا في المسيح! لقد جعَلنا يسوع خليقة جديدة: لقد خَلَقنا مجدّدًا بدمه! لقد كانت حياتنا وجسدنا وعاداتنا تسير كلها في درب الخطيئة ولكن الآن وبعد الولادة الجديدة علينا أن نجتهد لنسير في درب البرّ والقداسة. لقد نلنا جميعنا سرّ المعموديّة: وفي تلك اللحظة، وإذ كنا لا نزال أطفالاً، أعلن والدينا بأسمائنا فعل الإيمان نيابة عنا وقالوا: "نؤمن بيسوع المسيح الذي غفر خطايانا".
علينا أن نأخذ على عاتقنا هذا الإيمان بيسوع المسيح، تابع الحبر الأعظم يقول، علينا أن نحمله ونظهره من خلال طريقة عيشنا، هذا ما يميّز حياتنا كمسيحيين وكخليقة جديدة: بالإيمان والأعمال التي تنبع من هذا الإيمان أي أعمال القداسة، تلك القداسة التي دُعينا إليها جميعًا ونلناها بواسطة سرّ العماد.
أضاف البابا فرنسيس يقول: نحن ضعفاء ونخطأ مرات عديدة ولكل منا نقائصه... لكن هل هذا جزء من طريق القداسة؟ نعم ولا! لأن ضعفي هذا سيشكل جزءًا من طريق قداستي: فإن قلت أنا أؤمن بيسوع لكن حياتي لا تمتُّ ليسوع المسيح بِصلَةٍ بل أحياها بالجري وراء أهوائي ورغباتي، أقول لك لا! لن يكون ذلك عندها جزءًا من قداستك.
ولكن إن قلت للرب: نعم يا رب أنا خاطئ وضعيف لكنني أسألك أن تمنحني القوة والإيمان! لأنك وحدك قادر أن تشفيني! وذهبت إليه ليشفيك بواسطة سرّ المصالحة والتوبة، أقول لك نعم! لأنه عندها سيكون ضعفك ونقائصك جزءًا من قداستك. وهنا يظهر جليًّا في حياتنا الـ "ما قبل" و"ما بعد" معرفة المسيح واللقاء به.
فقبل إعلان الإيمان، وقبل قبول يسوع المسيح الذي ولدنا ثانية بواسطة دمه كنا "عَبيدًا في خِدمةِ الدَّعارةِ والفِسْقِ" كما يقول القديس بولس، ولكن بعد معرفة المسيح "أُعتِقنا مِنَ الخَطيئَة وصِرنا عَبيدًا لله، نَحمِل الثَّمَرَ الَّذي يَقودُ إِلى القَداسة".
ولعيش هذه القداسة علينا أن نعمل أعمال البرّ، أعمال بسيطة: عبادة الله ومساعدة الآخرين كما يطلب منا يسوع المسيح. فأعمال البرّ هذه، تابع البابا فرنسيس يقول، هي أعمال يسوع المسيح التي ولدنا منها ثانية، فعندما نُطعم جائعًا نحن نخلق فيه الرجاء مجدّدًا، وهكذا كل عمل نقوم به! ولكن إن قبلنا الإيمان ولم نجسّده في حياتنا فلسنا أبدًا بمسيحيين.
أضاف البابا فرنسيس يقول إن لم يشكل اللقاء بيسوع محورًا مهمًا في حياتنا، إن لم نتمكن من التمييز بين "ما قبل" معرفة المسيح و"ما بعدها" كما يعلمنا القديس بولس، فوجودي المسيحي لا معنى له! لأنني عندها أتبجح فقط بكوني مسيحيّ لكنني أعيش فعليًّا كوثنيّ! لقد بررنا المسيح وقدسنا بدمه ولذلك علينا أن نقبل هذه القداسة في حياتنا ونحملها للآخرين! علينا أن نأخذ هذه القداسة على محمل الجد، لا يمكننا أن نكون مسيحيين فاترين!
علينا أن نجسد في حياتنا قول القديس بولس: "أَعُدُّ كُلَّ شَيءٍ خُسْرانًا مِن أَجْلِ المَعرِفَةِ السَّامية، مَعرِفةِ يسوعَ المسيحِ رَبِّي. مِن أَجْلِه خَسِرتُ كُلَّ شَيء وعدَدتُ كُلَّ شَيءٍ نُفايَة لأَربَحَ المسيحَ".
أضاف الأب الأقدس يقول: على كل مسيحي أن يتحلى بشغف بولس الرسول هذا! علينا أن نبتعد عن كل ما يُبعدنا عن يسوع المسيح، ونجسّد في حياتنا "الجِدَّةَ" التي أحدثها يسوع بتجسّده وموته وقيامته. لا نخافّن إذًا من ألا نفلح بتحقيق هذا لأنه ليس أمرًا مستحيلاً، تابع الحبر الأعظم يقول، فهذا ما عاشه القديس بولس وما عاشوه أيضًا قديسون آخرون، عاشوا حياتهم المسيحيّة بجديّة وبملئها!
وختم الأب الأقدس عظته بالقول: لنسأل أنفسنا اليوم: هل نريد أن نعيش حياتنا المسيحيّة بملئها وأن نجسّد هذا الخلق الجديد في حياتنا اليوميّة؟ لنطلب من القديس بولس أن يمنحنا النعمة لنعيش مسيحيتنا بجدّية وبملئها وأن نؤمن بأننا تقدسنا بواسطة دم يسوع المسيح!
إذاعة الفاتيكان