التقى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في قاعة بولس السّادس بالفاتيكان بالمشاركين في أعمال الجمعيّة العامّة العاديّة الرابعة عشرة لسينودس الأساقفة حول العائلة بمناسبة الذكرى الخمسين على تأسيس سينودس الأساقفة وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة استهلّها بالشّكر للرّبّ ومتذكّرًا جميع الذين وخلال هذه السنوات الخمسين قد عملوا في خدمة السينودس.
قال البابا فرنسيس:
منذ بداية خدمتي كوني أسقف روما أردت أن أُعطي قيمة للسينودس الذي يشكّل إرثًا قيّمًا للجلسة المجمعيّة الأخيرة.
فبالنسبة إلى الطوباوي بولس السادس، كان ينبغي على السينودس أن يقدّم صورة عن المجمع المسكونيّ ويعكس روحه وأسلوبه، وقال: "بإمكان السينودس أن يتحسّن مع مرور الوقت". وقد تردّد صدى هذه الكلمات بعد عشرين سنة عندما أكّد القدّيس يوحنّا بولس الثاني قائلاً: "يمكن لهذه الوسيلة أن تتحسّن، ويمكن أن يتمّ التّعبير في السينودس عن مجمعيّة المسؤوليّة الراعويّة بشكل أكبر".
ختامًا، وفي عام 2006، وافق بندكتس السادس عشر على بعض التغييرات في منهجيّة سينودس الأساقفة في ضوء التعديلات على مجموعة قوانين الكنيسة ومجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة التي صدرت في ذلك الوقت. وينبغي علينا أن نستمرّ في هذه الدّرب، لأنّ العالم الذي نعيش فيه والذي دُعينا لنحبّه ونخدمه بالرغم من تناقضاته، يتطلّب من الكنيسة تعزيز تعاون في جميع مجالات رسالتها.
إنّ ما يطلبه الرّبّ منّا هو موجود بكامله في كلمة "سينودس" أي السير معًا – علمانيون ورعاة وأسقف روما – إنّه مبدأ يسهل التّعبير عنه بكلمة واحدة وإنّما يصعب تطبيقه.
بعد أن ذكّر بأنّ شعب الله مكوّن من جميع المعمّدين المدعوّين "ليكونوا مسكنًا روحيًّا وكهنوتًا مقدّسًا"، يعلن المجمع الفاتيكانيّ المسكونيّ الثاني أنّ "جمع المؤمنين الذين نالوا مسحة من القدّوس (راجع 1 يو 2/ 20 و27)، لا يمكنهم أن يضلّوا في الإيمان. وإنّهم يعبّرون عن هذه الميزة الخاصّة التي يملكون بواسطة الذوق الفائق الطبيعة لإيمان الشّعب بكلّيته، وذلك بأن يُجمِعوا إجماعًا شاملاً "من الأساقفة حتى آخر علمانيّ مؤمن" على حقائق الإيمان والأخلاق (نور الأمم، 12).
لقد شدّدتُ في الإرشاد الرسوليّ "فرح الإنجيل" كيف أنّ "شعب الله قدّيس بفضل تلك المسحة التي تجعله معصومًا عن الخطايا عندما يؤمن" (فرح الإنجيل، 119) وبالتالي فإن "كلُّ معمّد، مهما كانت وظيفته في الكنيسة، ومستوى تنشئته الإيمانيّة، هو عنصر نشيط للتبشير بالإنجيل؛ وإنّه لمن غير الملائم أن يفكر بمخطط تبشيرٍ بالإنجيل يستخدمه عملة كفاة، فيما يكون باقي الشّعب المؤمن مكرسًا فقط للإنتفاع من خدماتهم" (فرح الإنجيل، 120).
لقد كانت هذه القناعة تقودني عندما تمنيت أن يُصار إلى استشارة شعب الله في التحضير لموعدي السينودس حول العائلة. إذ كيف يمكن أن نتحدّث عن العائلة دون أن نستدعي العائلات ونصغي إلى أفراحها ورجائها، إلى آلامها وأحزانها؟ لذلك ومن خلال الأجوبة على قائمتي الأسئلة اللتين تمّ إرسالهما إلى الكنائس الخاصة، تمكنّا من الإصغاء إلى بعض العائلات حول المسائل التي تطالها عن كثب والتي لديها الكثير لتقوله لنا عنها.
إنّ الكنيسة السينودسيّة هي كنيسة الإصغاء. إنّه إصغاء متبادل يتعلّم كلّ فرد من خلاله شيئًا ما: الشّعب الأمين ومجمع الأساقفة وأسقف روما في إصغاء واحدهم للآخر. وبالتالي فإنّ سينودس الأساقفة هو نقطة الالتقاء لديناميكيّة الإصغاء هذه التي تُعاش على جميع المُستويات في حياة الكنيسة.
تبدأ مسيرة السينودس بالإصغاء للشّعب بحسب مبدأ عزيز على كنيسة الألفيّة الأولى: "ما يطالُ الجميع، ينبغي أن يُعالج من قبل الجميع". وتتابع مسيرة السينودس بالإصغاء للرُّعاة، الحرّاس الحقيقيّين ومترجميّ الإيمان وشهوده داخل الكنيسة بأسرها. وتتوّج مسيرة السينودس بالإصغاء لأسقف روما المدعوّ لإعطاء رأيه "كونه راعٍ ومعلّم لجميع المسيحيّين"، وأن يتمّ السينودس مع بطرس وتحت إشراف بطرس ليس حدًّا للحرّية وإنّما ضمانة ً للوحدة. في الواقع إنّ الأب الأقدس "هو المبدأ والأساس الدّائم والمنظور لوحدة الأساقفة ولوحدة جمهور المؤمنين" (نور الأمم، 23).
إنّ السينودوسيّة هي بُعد جوهريّ وأساسيّ في الكنيسة، وتقدّم لنا الإطار الأنسب لفهم خدمتها الهرميّة، وإن فهمنا أنّ "كنيسة وسينودس هما مرادفان"، كما يقول القدّيس يوحنّا فمّ الذّهب – لأنّ الكنيسة ليست إلّا مسيرة شعب الله معًا في دُروب التّاريخ للقاء المسيح الرّبّ – فسنفهم أنّه لا يُمكن لأحد في داخلها أن يستعلي على الآخرين.
لقد أسّس يسوع الكنيسة واضعًا على رأسها الرّسل وجاعلاً فيها بطرس "الصّخرة" والذي ينبغي عليه أن يُشدّد الإخوة في الإيمان. وفي هذه الهرميّة يُدعى الذين يمارسون السّلطة "خدّامًا" لأنّهم وبحسب المعنى الأصليّ للكلمة هم الأصغر بين الجميع. وبالتّالي علينا ألّا ننسى أبدًا أنّه بالنسبة إلى تلاميذ يسوع أمس واليوم وإلى الأبد السّلطة الوحيدة هي سلطة الخدمة، والسّلطان الوحيد هو سلطان الصّليب بحسب كلمات المعلّم: "تَعلَمونَ أَنَّ رُؤَساءَ الأُمَمِ يَسودونَها، وأَنَّ أَكابِرَها يَتسلَّطونَ علَيها. فلا يَكُنْ هذا فيكُم، بل مَن أَرادَ أَن يكونَ كبيرًا فيكُم، فَلْيَكُنْ لَكم خادِمًا. ومَن أَرادَ أَن يكونَ الأَوَّلَ فيكُم، فَلْيَكُنْ لَكم عَبداً" (متى 20، 25- 27).
في كنيسة سينودوسيّة يشكّل سينودس الأساقفة العلامة الواضحة لديناميكيّة شراكة تُلهم جميع القرارات الكنسيّة.
وأشار البابا في هذا الإطار إلى المُستويات الثلاثة لعيش هذه السينودوسيّة، مؤكّدًا أن المستوى الأوّل لمُمارسة السينودوسيّة يتمّ في الكنائس الخاصّة من خلال السينودس الأبرشيّ الذي يتعاون فيه الأساقفة مع الكهنة والعلمانيّين بالإضافة إلى "هيئات الشّركة" الأخرى التّابعة للكنائس الخاصّة.
أمّا المُستوى الثاني فهو على صعيد المُقاطعات الكنسيّة كالمجالس الخاصّة ولاسيّما المجالس الأسقفيّة.
والمُستوى الأخير هو على صعيد الكنيسة الجامعة، وهو سينودس الأساقفة، والذي يعبّر عن المجمعيّة الأسقفيّة داخل كنيسة سينودوسيّة.
إنّ التزام بناء كنيسة سينودوسيّة – رسالة دُعينا إليها جميعًا كلٌّ بحسب الدّور الذي أوكله الرّبّ إليه – يحمل في طياته أبعادًا مسكونيّة. وأشار إلى أنّ البابا ليس وحده وليس فوق الكنيسة؛ بل في داخلها إنّه معمّد بين المعمّدين وداخل مجمع الأساقفة أسقف بين الأساقفة، مدعوّ في الوقت عينه – كونه خليفة القدّيس بطرس – بأن يقود كنيسة روما التي ترأس بالمحبّة.
وإذ أؤكّد على ضرورة التّفكير بـ "تحوّل في البابويّة" (فرح الإنجيل، 32). أكرّر كلمات سلفي البابا يوحنّا بولس الثاني: "بصفتي أسقف روما، أعرف جيّدًا... أنّ رغبة المسيح الحارّة هي الشّركة الكاملة والمرئيّة بين الجماعات كلّها، السّاكن فيها روحُه بفضل الأمانة لله.
إنّي على يقين أنّي أحمل، من هذا القبيل، مسؤوليّة خاصّة بالأخصّ عندما أرى التوق المسكونيّ المُنبعث من غالبيّة الجماعات المسيحيّة، وعندما أسمع النّداء الموجَّه إليّ بأن أجد أسلوباً لممارسة الأولويّة منفتحًا على الوضع الرّاهن، ولكن دون أي تخلّ عن جوهر رسالتها".
إن نظرنا يتوسّع أيضًا على البشريّة. فالكنيسة السينودوسيّة هي علامة بين الأمم في عالم يسلّم غالبًا مصير شعوب بكاملها إلى الأياديّ الجشعة لمجموعات ضيّقة ذات نفوذ. وبالتالي الكنيسة تسير مع البشر وينبغي علينا أن نزرع الحلم بأن إعادة اكتشاف كرامة الشّعوب غير القابلة للإنتهاك ودور خدمة السّلطة سيساعدان المجتمع المدنيّ أيضًا ليبني ذاته في العدالة والأخوّة.
إذاعة الفاتيكان.