اختارها الرّبّ منذ البداية، منذ أن حُبِلَ بها بلا دنس، لقد استجاب الرّبّ دُعاء يواكيم وحنّة ووهبهما ابنة سمياها "مريم". اختيرت من قِبَل الرّبّ فأصبحت أمَّ ابنه الكلمة المتجسّد، وأصبحت شريكة له في الفداء والخلاص.
إنها مثال الأمّ التي تعرف أن تسمع كلمة الله وتحفظها.
هذه الأمّ المثاليّة وُلِدت من أب وأمّ طاعنين في السّن، مُختارة منذ الأزل لتكون أُمًّا مختلفة مميّزة ولقد خرجت من يد الله تُحفة للكون، لا عيب فيها تمامًا كما وصفها نشيد الأناشيد: "كلّك جميلة، يا خليلتي ولا عيب فيك".
إن مولدَ مريم العذراء محطّة نقفُ فيها اليوم لنتأمّل في كيان العائلة ودورها وأهميّتها في تربية الإنسان وتنشئته على الإيمان والقيم الروحيّة والإنسانيّة.
وها هما والدا العذراء يواكيم وحنّة أفضل مثال على البرارة والسّير في شريعة الرّبّ، وعلى اتّحاد القلوب واضطرامها بمحبّة الله والقريب، وعلى العيش في الصلاة والتأمّل بانتظار مجيء مخلّص العالم. وعلى هذا المثال، تصبح العائلة المكان الأوّل لعيش الإيمان والتّعرّف إلى الله، وتصبح مصدر إشعاع على الآخرين، وذلك بعيش روح الإنجيل وممارسة ما يدعونا إليه في حياتنا الفرديّة والجماعيّة.
إن العائلة هي الأساس وأحد أهمّ مصادر الحياة، فمن عائلة يواكيم وحنّة أتت مريم العذراء، ومن عائلة النّاصرة أتى يسوع المسيح، إنّهما عائلتا أوّل بشارة وأوّل خبر سار في تاريخ الخلاص.
من عائلة يواكيم وحنّة شعّ نور مريم، ومن عائلة مريم ويوسف عائلة النّاصرة شعّ نور المسيح. وهنا لا بدّ لكلّ منّا أن يسأل ويتساءل:
- تًرى ماذا يشعّ اليوم من عائلاتنا؟
ما هو دوري كوني أبًا أوأمًّا أمام أولادي؟ وهل أؤدّي دوري كما يجب؟
هل أهتمّ بتنشئة أولادي الروحيّة؟
هل أربّيهم على القيم الإنسانيّة والإجتماعيّة؟
إن العائلة، هي نقطة الإنطلاق ونقطة الوصول في آن، فمن العائلة ينطلق الإنسان إلى المجتمع، ذلك أنّ الأولاد هبة من الله للعائلة، ثم للمجتمع، ثم للعالم.
والعائلة هي كنيسة بشريّة تتلقى بشارة الإنجيل لتُصبح جماعة تنشر الإنجيل، ولولا العائلة الصّالحة لما وُجِدَ كاهن وأسقف ومتزوج أو أي إنسان آخر.
إنّ أهم مشكلة تواجه الكثير من العائلات اليوم هي عيش أفرادها دون إيمان، دون الله، ودون قدّاس و دون نبع روحيّ يرتوون منه، لذا هم عِطاش يابسون مفكّكون يفتقرون إلى حضور الله في حياتهم.
العائلة هي النّواة، إن صَلُحَت صَلُحَ معها كلّ شيء، وإن فسُدت فسُد كلُّ شيءٍ أيضًا.
في هذا العيد نرفع الصلاة إلى الله بشفاعة مريم ليحميَ عائلاتنا من التفكّك والإنهيار وليساعد أفرادها في تحمّل مشاكلهم اليوميّة سائلين العذراء أن تكون بقربنا، كما كانت بالقرب من ابنها يسوع ورافقته حتّى أقدام الصّليب.
واليوم أكثر من أي يوم مضى، نريدك أن تبقي مكرّمة عندنا وسيّدة علينا، وأن يبقى ابنك الملك الحقيقيّ لقلوبنا وفي قلوبنا كوني حاضرة دومًا في عائلاتنا وتفاصيل حياتنا لتتدخلي كلما فَرُغَ خمرُ المحبّة والتضحية من أجاجيننا، فنبقى متّحدين متحابين، نسمع كلمتك تُردّدينها على مسامعنا في يوم عيدك: "افعلوا كلّ ما يأمركم به".
موقع الرهبانيّة الورديّة المقدّسة.