تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين والحجاج المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها:
يقدّم لنا إنجيل هذا الأحد (متى 14/ 13 -21) آية تكثير الخبز. يتمُّ الحدث في مكان قفر حيث كان يسوع قد انصرف إليه مع تلاميذه. لكن الناس تبعوه لكي يصغوا إليه ويشفيهم: في الواقع إن كلماته وتصرفاته تشفي وتمنح الرجاء. ولما كان المساء كانت الجموع لا تزال هناك والتلاميذ، كأشخاص واقعيين وعمليين دعوا يسوع ليصرفهم لِكي يَذهَبوا فيَشتَروا لَهم طَعامًا. لكن يسوع أجابهم: "أعطوهم أَنتُم ما يأكُلون".
لنتخيّل وجوه التلاميذ! إن يسوع يعرف جيّدًا ما كان سيفعله ولكنّه يريد أن يغيّر موقفهم أي ألا يقولوا "دبروا أمركم بأنفسكم" وإنما "ماذا تقدم لنا العناية الإلهية لكي نتقاسمه؟". موقفان متناقضان؛ لقد أراد يسوع أن يقودهم إلى الموقف الثاني لأن يسوع يفكّر بأسلوب مختلف. لقد أراد يسوع من خلال هذه الحالة أن يربّي أصدقاءه أمس واليوم على منطق الله. وما هو منطق الله الذي نراه هنا. إنّه منطق تحمّل مسؤولية الآخر.
ما إن قال أحد الاثني عشر بواقعية: "لَيس عِندَنا هَهُنا غَيرُ خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن"، أجاب يسوع: "علَيَّ بِها". وأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمَكَتَيْن، ورَفَعَ عَينَيه نَحوَ السَّماء، وباركَ وكسَرَ الأَرغِفة، وناوَلَها تَلاميذَه لكي يوزِّعوها. وهذه الأرغفة والسمكتين لم ينفدوا، بل كانوا كافيين لآلاف الأشخاص وبقي منهم أيضًا.
بهذه البادرة، أظهر يسوع قوته، ليس بطريقة استعراضيّة، وإنما كعلامة لمحبة وسخاء الله الآب تجاه أبنائه المتعبين والمعوزين. فهو منغمس في حياة شعبه، ويفهم تعبهم ومحدوديتهم، ولكنه لا يسمح لأحد بأن يهلك: لأنّه يغذينا بكلمته ويمنحنا غذاءً وافرًا لقوتنا.
تظهر في هذه الرواية الإنجيلية الإشارة أيضًا إلى الإفخارستيا ولاسيما عندما تصف بركة الخبز وكسره ومناولته للتلاميذ وتوزيعه للناس. نلاحظ أيضًا كم هي وثيقة العلاقة بين الخبز الإفخارستي، غذاء الحياة الأبدية، والخبز اليومي الضروري للحياة الأرضيّة. وقبل أن يقدّم نفسه للآب كخبز خلاص يهتمُّ يسوع بطعام الذين يتبعونه والذين، لكي يكونوا معه، نسوا أن يعدُّوا زادًا لأنفسهم.
إنَّ الرحمة والحنان اللذين أظهرهما يسوع تجاه الجماهير ليسا مجرّد عاطفة، بل هما التعبير الملموس للحب الذي يأخذ على عاتقه احتياجات الأشخاص. وبالتالي نحن مدعوون إلى الاقتراب من المائدة الإفخارستية بمواقف يسوع عينها: الشفقة إزاء احتياجات الآخرين، والثقة في محبة الآب التي تدبّر كل شيء والمشاركة الشجاعة.
لتساعدنا مريم العذراء الكلية القداسة لكي نسير المسيرة التي يدلنا عليها الرب في إنجيل اليوم. إنها مسيرة الأخوة الأساسية لكي نواجه فقر وآلام هذا العالم، والتي تنقلنا أبعد من العالم لأنها مسيرة تبدأ من الله وإليه تعود."