لمناسبة افتتاح أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين ترأس قداسة البابا فرنسيس مساء الجمعة صلاة الغروب في بازيليك القديس بولس خارج أسوار روما وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها
يبدأ اليوم أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين الذي ندعى فيه جميعًا لنبتهل من الله هذه العطيّة الكبيرة. وحدة المسيحيين هي ثمرة نعمة الله وعلينا أن نُعدَّ أنفسنا لكي نقبلها بقلب سخيٍّ وجاهز.
يتخيّل سفر تثنية الإشتراع ( 31/ 1 -30) شعب إسرائيل المُخيّم في سهول مؤاب والذي يستعدُّ للدخول إلى الأرض التي وعده بها الله؛ وهنا موسى كأب حنون وقائد عيّنه الرب، يكرِّر الشريعة للشعب ويعلّمه ويذكّره بأنّه عليه أن يعيش بأمانة وعدالة بعد أن يستقر في الأرض الموعودة. إنَّ النص الذي سمعناه يعطي تعليمات حول كيفيّة الاحتفال بأعياد السنة الثلاثة الأساسية: "Pesach" الفصح، "Shavuot" عيد الأسابيع، و"Sukkot" عيد المظال. إن كل عيد من هذه الأعياد يذكّر إسرائيل بالامتنان على الخيور التي نالها من الله. إنَّ الاحتفال بعيد ما يتطلّب مشاركة الجميع بدون استثناء أحد: "وَتَفرَحُ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِكَ أَنتَ وَابنُكَ وَابنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَاللَّاوِيُّ الَّذِي فِي أَبوَابِكَ، وَالغَرِيبُ وَاليَتِيمُ وَالأَرمَلَةُ الَّذِينَ فِي وَسَطِكَ".
ينبغي القيام بحج إلى "المَكَانِ الَّذِي يَختَارُهُ الرَّبُّ لِيُحِلَّ اسمَهُ فِيهِ"، وهناك ينبغي على المؤمن الإسرائيلي أن يضع نفسه أمام الله. وبالرغم من أن بني إسرائيل كانوا عبيدًا في مصر وبدون ممتلكات شخصيّة لكنهم "لَا يَحْضُرُون أَمَامَ الرَّبِّ فَارِغِينَ"، وعطيّة كلُّ فرد ستكون بقدر البركة التي سيكون قد نالها من الرب. وبالتالي لا يجب أن يفاجئنا واقع أنَّ النص البيبلي ينتقل من الاحتفال بالأعياد الرئيسيّة الثلاثة إلى تعيين القضاة لأن الأعياد نفسها تحث الشعب على العدالة وتذكّر بالمساواة الأساسيّة بين جميع الأعضاء إذ يرتكزون جميعًا على الرحمة الإلهية ويدعون جميعًا ليتشاركوا مع الآخرين الخيور التي نالوها.
إن مسيحيي أندونيسيا في تأمّلهم حول اختيار موضوع هذا الأسبوع للصلاة من أجل الوحدة قرروا أن يستلهموا من كلمات سفر تثنية الاشتراع: "العَدلَ العَدلَ تَتَّبِعُ". في هذه الكلمات نجد حيًا القلق بأنَّ النمو الاقتصادي في بلدهم إذ يحركّه منطق المنافسة يترك كثيرين في الفقر ويسمح لقليلين فقط بالاغتناء بشكل كبير. ولكن هذا الأمر لا يصلح فقط لأندونيسيا إذ نجد هذا الوضع في باقي بلدان العالم أيضًا. عندما لا يعود مبدأ التضامن والخير العام أساسًا للمجتمع نشهد على فضيحة أشخاص يعيشون في الفقر المدقع بجانب ناطحات سحاب وفنادق فخمة ومراكز تجارية مترفة، علامات غنى مذهلة. لقد نسينا حكمة شريعة موسى، التي وبحسبها إن لم تتم مقاسمة الغنى ينقسم المجتمع.
في رسالته إلى أهل روما (14/ 1 - 33) يُطبّق القديس بولس المنطق عينه على الجماعة المسيحية: على الأقوياء أن يعتنوا بالضعفاء. إن السعي إِلى ما يَطيبُ لأَنْفُسِنا ليس أمرًا مسيحيًّا. في الواقع باتباع مثال المسيح علينا أن نجتهد لنبني الضعفاء. على التضامن والمسؤوليّة المشتركة أن تكونا الشريعتان اللتان تعضدان العائلة المسيحية. كشعب الله المقدّس نحن أيضًا على الدوام نهمُّ بالدخول إلى الملكوت الذي وعدنا به الرب. ولكن بما أننا منقسمون فنحن بحاجة لأن نتذكّر الدعوة إلى العدل التي وجّهها الله لنا. نجد بين المسيحيين أيضًا خطر بأن يسود المنطق الذي كان الإسرائيليون يعرفونه في الماضي والعديد من الشعوب المتطوّرة في يومنا هذا، أي، أن ننسى الضعفاء والمعوزين في محاولة إدِّخار الأموال.
من الممكن أيضًا أن تجعلنا العطايا التي نلناها من الله عميانًا إزاء العطايا التي نالها المسيحيون الآخرون. إنها خطيئة خطيرة أن نخفف أو نزدري العطايا التي منحها الله للإخوة الآخرين، معتقدين أنّهم بطريقة أو بأخرى أقلَّ تفضيلاً من قبل الله. إن غذّينا أفكارًا مماثلة نسمح بأن تصبح النعمة التي نلناها مصدر كبرياء وظلم وانقسام. فكيف يمكننا عندها أن ندخل الملكوت الذي وُعدنا به؟
إن العبادة التي تليق بذلك الملكوت والعبادة التي تتطلّبها العدالة هي عيد يشمل الجميع، عيد تكون فيه العطايا التي نلناها متقاسمة وفي متناول الجميع. وبالتالي لكي نقوم بالخطوات الأولى نحو تلك الأرض التي وعدنا بها والتي هي وحدتنا علينا أولاً أن نعترف بتواضع أنَّ البركات التي نلناها ليست من حقِّنا بل قد وهبت لنا وقد أُعطيت لنا لكي نتقاسمها مع الآخرين. ثانيًا علينا أن نعترف بقيمة النعمة التي مُنحت للجماعات المسيحيّة الأخرى وبالتالي ستكون لنا الرغبة في المشاركة في مواهب الآخرين. إنَّ شعبًا مسيحيًّا متجدّدًا وغنيًّا بتبادل المواهب هذا سيكون شعبًا قادرًا على السير بخطوات ثابتة وواثقة على الدرب التي تقود إلى الوحدة.
إذاعة الفاتيكان