تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين والحجاج المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها يروي الإنجيل الذي تقدمه لنا الليتورجيا اليوم دعوة التلاميذ الأوائل الذين عند بحيرة طبريّا تركوا كل شيء ليتبعوا يسوع. بعضهم كان قد التقاه بفضل يوحنا المعمدان. وكان الله قد وضع فيهم بذرة الإيمان. والآن عاد يسوع لكي يبحث عنهم حيث يعيشون ويعملون. وهذه المرة يوجه لهما دعوة مباشرة: "اتبعاني!"؛ "فتَركا الشِّباكَ مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه". لنتوقف عند هذا المشهد: إنها لحظة اللقاء الحاسم مع يسوع؛ تلك التي سيتذكرانها طوال حياتهما والتي دخلت في الإنجيل. ومن ذلك الحين تبعا يسوع ولكي يتبعاه تركا.
الترك من أجل الاتباع. مع يسوع هكذا هو الأمر على الدوام. يمكننا أن نبدأ في أن نشعر بطريقة ما بسحره، ربما بفضل الآخرين. ومن ثم يمكن للمعرفة أن تصبح أكثر شخصية وأن تُشعل نوراً في القلب. ويصبح ذلك أمرًا جميلاً نريد أن نشاركه: "هل تعلم، لقد تأثرتُ بهذا المقطع من الإنجيل، لقد تأثرتُ بخبرة الخدمة هذه". هكذا فعل التلاميذ الأوائل أيضًا. ولكن، عاجلاً أم آجلاً، ستأتي اللحظة التي سيكون ضروريًّا فيها أن نترك لكي نتبعه. وهناك علينا أن نقرر: هل أترك بعض الضمانات وأرحل في مغامرة جديدة، أم أبقى مكاني؟ إنها لحظة حاسمة لكل مسيحي، لأن هنا على المحك معنى كل شيء آخر. إذا لم نجد الشجاعة لكي ننطلق في مسيرة، فهناك خطر أن نبقى متفرجين على حياتنا وأن نعيش نصف إيمان.
لذلك، فإن الإقامة مع يسوع تتطلب منا الشجاعة لكي نترك ونضع أنفسنا في مسيرة. ولكن ماذا علينا أن نترك؟ بالتأكيد رذائلنا وخطايانا التي هي بمثابة مراسٍ توقفنا عند الشاطئ وتمنعنا من الإبحار. لكن علينا أيضًا أن نترك وراءنا ما يمنعنا من أن نعيش بشكل كامل، مثل المخاوف والحسابات الأنانية، وضمانات البقاء في أمان من خلال العيش بانحسار. وعلينا أيضًا أن نتخلى عن الوقت الذي يضيع في الكثير من الأشياء غير المجدية. ما أجمل أن نترك هذا كلّه لكي نعيش، على سبيل المثال، المخاطرة المتعبة وإنما المرضية للخدمة، أو لتكريس وقت للصلاة، فننمو في الصداقة مع الرب.
أفكر أيضًا في عائلة شابة تترك الحياة الهادئة لكي تنفتح على مغامرة الأمومة والأبوة الجميلة التي لا يمكن التنبؤ بها. إنها تضحية، لكن يكفي أن نلقي نظرة على الأطفال لكي نفهم أنه كان من الصواب أن نترك وتيرة ما ووسائل راحة معينة. أفكر في مِهَنٍ معينة، على سبيل المثال طبيب أو عامل صحي تخليا عن الكثير من وقت الفراغ لكي يدرسا ويُعدَّا نفسيهما، وهما الآن يصنعان الخير من خلال تكريس ساعات طويلة من النهار والليل، والكثير من الطاقات الجسدية والعقلية من أجل المرضى. باختصار، لكي نحقق حياتنا، علينا أن نقبل تحدي الترك، الذي يدعو يسوع إليه كل واحد منا.
وحول هذا الموضوع أترك لكم بعض الأسئلة. أولاً: هل أتذكر "لحظة قوية" التقيت فيها بيسوع؟ أو شيئًا جميلاً ومهمًّا حدث في حياتي لأنني تركت أشياء أخرى أقل أهمية؟ واليوم، هل هناك أي شيء يطلب مني يسوع أن أتخلى عنه؟ ما هي الأشياء المادية، وأساليب التفكير، والعادات التي يجب أن أتركها لكي أقول له حقًا "نعم"؟ لتساعدنا العذراء مريم لكي نقول، مثلها، نعم كاملة لله، ولكي نعرف كيف نترك شيئًا لكي نتبعه بشكل أفضل.
إذاعة الفاتيكان