من وجهاء مدينة الإسكندريّة. قد زَّينها الله بحدَّة الذهن وبجمال النفس والجسد. عكفت على مطالعة الكتب المقدّسة، فتبيَّن لها فساد عبادة الأوثان.
ويُروى أنّه تراءى لها السيّد المسيح، بعد اعتمادها، مُبديًا عن رضاه عنها وألبسها خاتمًا ثمينًا، عربون خطبته إِيّاها عروسًا له. ففرحت فرحًا عظيمًا وشغفت بمحبّته ونذرت بتوليّتها له، وأخذت تبشِّر باسمه.
ولمَّا مرَّ الملك مكسيمنس في الإسكندريّة، أقام عيدًا حافلاً، تُقدَّم فيه الذبائح للأوثان وأوجب أن يشترك فيه جميع سكان المدينة. وحضرت كاترينا أمام الملك، وهو جالس في صدر المحفل وأخذت تبيّن له بالبراهين الجليَّة، عن ضلال الوثنيّة وآلهتها الكاذبة. وأوضحت عن صحّة الدين المسيحيّ وعن سموّ تعاليمه الشّريفة. فأدهشت الملك وجميع الحاضرين بجرأتها وفصاحتها، وأخذ مكسيمنس بجمالها، فحبسها في قصره، بغية أن يُقنعها بعبادة الأصنام ليتزوجها.
فاستدعى خمسين فيلسوفًا، فدخلوا في الجدال مع القدّيسة فأفحمتهم بقوّة براهينها. فقال الأمبراطور لأولئك الفلاسفة: عليكم أن تنقضوا كلامها وبراهينها. فأجابوا: أنّهم أصبحوا مؤمنين بما تؤمن به كاترينا، لأنّها على حقّ في كلّ ما تقول. فاستشاط الملك غيظًا، وأمر بهم فأحرقوهم بالنّار، ففازوا بإكليل الشّهادة.
وأمر مكسيمنس بجلد كاترينا، حتى سالت دماؤها. ثمّ أعادها إلى السّجن. فقامت تصلِّي وتشكر الله. وظهر لها ملاك الرّبّ وعزَّاها وشفى جراحها. فدخلت الملكة عليها في سجنها مع القائد برفيريوس، فأعجبت بها. وكانت تُصغي لها فمسَّت النعمة قلبها، فآمنت بالمسيح هي والقائد برفيريوس. ولمّا علم الملك بذلك جُنَّ جنونه فأمر بضرب عنقهما مع مئتين من الجند الذين آمنوا.
وأخرج الملك كاترينا من سجنها وعاد يُلاطفها ويريد أن يتزوجها فتصبح هي صاحبة العرش بعد موت امرأته. فازدرته القدّيسة ووبّخته على قتله امرأته وسفكه الدماء البريئة. فهي لا تريد لها عريسًا على الأرض، فإنّ عريسها في السّماء. عندئذ أمر بأن توضع بين دواليب مركبة من سيوف مرهفة، فتضرعت إلى الله ليقوَّيها على هذا العذاب، وإذا بالدواليب تتكسَّر وتتطاير شظاياها وتقتل عددًا من الوثنيين، فآمن كثيرون وفازوا بالشّهادة.
فظنَّ الملك أنّ ذلك ضرب من السّحر، وخاف العاقبة، فأمر بقطع رأس القدّيسة، فأحنت رأسها للسيف وهي تصلّي وبذلك تمّت شهادتها سنة 308. صلاتها معنا. آمين!