يوبيل معلمي التعليم المسيحي

متفرقات

يوبيل معلمي التعليم المسيحي

 

 

 

 

يوبيل معلمي التعليم المسيحي

 

 

ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأحد الخامس والعشرين من أيلول سبتمبر القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس لمناسبة "يوبيل معلمي التعليم المسيحي" في إطار الاحتفال بسنة الرحمة، وألقى عظة للمناسبة استهلها قائلاً:

 

في القراءة الثانية، يوجه بولس الرسول، إلى تيموتاوس وإلينا نحن أيضًا، بعضَ التوصيات العزيزة على قلبه. من بينها، يطلب أن "تَحفَظَ هذه الوَصِيَّةَ وأنتَ بَريءٌ مِنَ العَيبِ واللَّوم" (1 طيم 6، 14). يتكلم بكل بساطة عن وصية واحدة. يبدو وكأنه يريد أن نُبقِي نظرنا ثابتا على ما هو جوهري للإيمان. بولس الرسول، في الواقع، لا يوصي بالكثير من النقاط أو الأمور، إنما يسلّط الضوء على محور الإيمان.

 

هذا المحور هو الذي يتحرك حوله كل شيء، وهذا القلب النابض الذي يعطي الحياة لكل شيء، هو البشارة الفصحية، البشارة الأولى: الرب يسوع قد قام، الرب يسوع يحبك، وقد وهب حياته من أجلك؛ لقد قام وهو حي، بجانبك وينتظرك كل يوم. يجب ألا ننساه أبدًا.

 

يُطلب منا، في يوبيل معلّمي التعليم الديني المسيحي هذا، ألا نتعب من وضع البشارة الأساسية للإيمان في المقام الأول: المسيح قام. ما من مضمون أهم، وما من شيء أكثر صلابة وأكثر حداثة. أي مضمون من مضمونات الإيمان يصبح جميلا إذا بقي مربوطا بهذا المحور وإذا اجتازته البشارة الفصحية.

 

فإن عزل نفسه يفقد المعنى والقوة. ونحن مدعوون إلى عيش حداثة محبة الرب دومًا وإلى إعلانها: "يسوع يحبك فعلا، لما أنت عليه. افسح له المجال: بالرغم من خيبات الأمل وجراحات الحياة، أعطه فرصة أن يحبك. لن يخيّب ظنّك".

 

تذكّرنا أيضًا الوصيّة التي يتكلّم عنها بولس الرسول بوصيّة يسوع الجديدة: "أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً كما أَحبَبتُكم" (يو 15، 12). فبالمحبة نبشّر بالله-محبة: ليس بقوة الاقناع، ولا بفرض الحقيقة، ولا بتصلبنا حول بعض الواجبات الدينية أو الأخلاقية. نبشر بالله بلقائنا الأشخاص، بالإصغاء إلى قصّتهم وإلى مسيرتهم. لأن الربّ ليس بفكرة إنما هو شخص حيّ: ورسالته تمرّ عبر شهادة بسيطة وحقيقية، وعبر الإصغاء والقبول، وعبر الفرح الذي يشع.

 

لا نستطيع أن نتكلم بطريقة حسنة عن يسوع حين نكون عبوسين؛ ولا يمكننا أن ننقل جمال الله عبر عظات جميلة فقط. يمكننا أن نبشر بإله الرجاء عندما نعيش إنجيل المحبة في يومنا الحالي، دون الخوف من أن نشهد له أيضًا عبر أشكال جديدة من البشارة.

 

إن إنجيل هذا الأحد يساعدنا على فهم ماذا يعني أن نحب، ولا سيما على تجنب بعض المخاطر. يوجد في المثل رجل غني، لا يعير انتباها للعازر، لذاك الرجل الفقير الذي كان "مُلْقىً عِندَ بابِه" (لو 16، 20). هذا الرجل الغني هو في الواقع لا يسيء إلى أحد، ولم يُقال عنه أنه شرير. لكن كان لديه عجز أكبر من عجز لعازر الذي "غطَّتِ القُروحُ جِسْمَه" : إن هذا الغني كان يعاني من عمى شديد، لأنه كان غير قادر على النظر إلى ما هو أبعد من عالمه خاص، القائم على الولائم وعلى الملابس الفاخرة. إنه لا يرى أبعد من باب بيته، حيث كان ملقى لعازر، لأنه كان لا يكترث لما كان يحدث خارجًا.

 

هو شخص لا يرى بعينيه، لأنه لا يشعر بقلبه. لقد دخلَت الدنيوية في قلبه، والدنيوية تخدّر الروح. فالدنيوية هي "كفجوة سوداء" تبتلع الخير، وتطفئ المحبة، لأنها تبتلع كلّ شيء في الـ "أنا" الخاص. فنرى المظاهر فقط، دون إعارة الانتباه إلى الآخرين، لأننا نصبح غير مبالين بأي شيء. وغالبًا ما يقومُ، مَن يعاني من هذا العمى، بتصرفات "حولاء": ينظر بوقار إلى المشاهير، ذوي المستوى العالي ومركز إعجاب العالم، ويحوّل نظره عن الكثيرين من لعازر اليوم، ومن الفقراء ومن المتألمين الذين هم محببين إلى الرب.

 

إنما الرب ينظر إلى مَن هو مهمل ومستبعد من العالم. لعازر هو الشخص الوحيد في جميع أمثال يسوع الذي يدعى باسمه. واسمه يعني: "الله يعين". الله لا ينساه، استقبله في مأدبة ملكوته، برفقة أبرام، في شركة محبة غنية. أما الرجل الغني في المثل، فليس له حتى اسم؛ حياته تذهب طي النسيان، لأن من يعيش لنفسه لا يصنع التاريخ. على المسيحي أن يصنع التاريخ! عليه أن يخرج من ذاته، كي يصنع التاريخ! إن مَن يعيش لذاته لا يصنع التاريخ. وعدم الاكتراث الحالي يحفر هوة لا يمكن اجتيازها للأبد. لقد أصابنا اليوم نحن أيضًا مرض اللامبالاة هذا، والأنانية، والدنيوية.

 

هناك تفصيل آخر في المثل، هناك تناقض. لقد تم وصف الحياة المترفة لهذا الرجل دون اسم، بتباه: كل شيء فيه يطالب بالحاجات وبالحقوق. حتى بعد موته، إنه يصرّ في الحصول على المساعدة ويطالب بمصالحه. أما فقر لعازر، فيعبر عنه بكل كرامة: من فمه لا يخرج رثاء، ولا احتجاجات أو كلمات مهينة. إنه درس صالح: إننا مدعوون، كخدام لكلمة يسوع، إلى عدم التباهي بالمظهر وعدم السعي وراء المجد؛ ولا يمكننا حتى أن نكون عبوسين أو أن نتذمر.

 

لسنا أنبياء شؤم يسرون بكشف المخاطر أو الانحرافات؛ لسنا أشخاص منغمسين في بيئتنا الخاصة، فننطق بأحكام مريرة ضد المجتمع والكنيسة، وكل شيء، وجميع الناس، ونلوث العالم بالسلبية. فالتشكك المتذمر لا ينتمي إلى من هو قريب من كلمة الله.

 

إن مَن يبشّر برجاء يسوع هو نبعُ فرح وبعيد النظر، لديه آفاق، فلا جدار يجعله ينغلق؛ إنه بعيد النظر، لأنه يعرف أن ينظر أبعد من الشر ومن المشاكل. ويرى جيدًا عن قرب في الوقت عينه، لأنه متنبّه للآخرين ولاحتياجاتهم.

 

وهذا ما يطلبه منّا الرّبّ اليوم: إننا مدعوون، إزاء الكثير من الـ "لعازر" الذين نراهم، إلى أن نهتم وأن نجد سبلا للقائهم ولمساعدتهم، دون أن نوفد الآخرين على الدوام أو أن نقول "سوف أساعدك غدًا، ليس لدي الوقت اليوم، سوف أساعدك غدًا". هذه خطيئة. فالوقت الذي يُعطى لمساعدة الآخرين هو وقت يُعطى ليسوع، هو محبة تبقى: إنه كنزنا في السماء، الذي نكتسبه هنا على الأرض.

 

في الختام، يا معلمي التعليم الديني المسيحي الأعزّاء، وأيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، ليعطنا الرّبّ نعمة أن نتجدد كل يوم بفرح البشارة الأولى: يسوع مات وقام، يسوع يحبنا شخصيا! ليعطنا قوة العيش والبشارة بوصية المحبة، متخطّين عمى المظاهر والأحزان الدنيوية.  ليجعلنا نراعي الفقراء الذين ليسوا ملحقًا في الإنجيل إنما هم صفحة مركزية، مفتوحة على الدوام أمامنا جميعًا.

 

ثم صلاة التبشير الملائكي

أيّها الأخوة والأخوات الأعزّاء،

أتمنى لجميعكم أحدًا مباركًا. ومن فضلكم لا تنسوا الصلاة من أجلي. غداء هنيئا وإلى اللقاء!

 

 

 

 

 

موقع الكرسي الرسولي.