يهوذا وخطر فقدان الإيمان

متفرقات

يهوذا وخطر فقدان الإيمان

 

 

 

 

 

شخصيّة يهوذا وخطر فقدان الإيمان ورسالة الكنيسة في البحث عن الفقراء هذه هي المواضيع التي توقّف عندها الأب جوليو ميكيليني في تأمّله الخامس صباح أمس الأربعاء في  الرّياضة الرّوحيّة لزمن الصّوم للأب الأقدس وأعضاء الـ"كوريا" الرومانيّة في بيت المعلّم الإلهيّ في أريتشا. تمحور تأمّل الأب ميكيليني حول مأساة انتحار يهوذا أحد الإثني عشر؛ حدث محرج وسبب عثرة ولكن الإنجيل لا يخفيه. مأساة تظهر بوضوح أيضًا في توبة يهوذا الذي يعترف في إنجيل متّى أنّه خطئ لأنّه خان دمًا صدّيقـًا.

 

بعدها شرح الأب جوليو ميكيليني الأسباب التي قد تكون ربما قد دفعت يهوذا لخيانة يسوع الذي اختاره ودعاه. ولفهم هذه المأساة أعاد الأب ميكيليني قراءة نصوص بعض العلماء والكتاب من رومانو غوارديني وصولاً إلى عاموص أوز الذين كرّسوا لشخصيّة يهوذا صفحات طويلة، وأول نظريّة تَظهر هي أنّ يهوذا قد فقد إيمانه في مرحلة ما وهذا خطر يسائلنا جميعًا: ليس لدينا مبرّرات كثيرة لنتحدّث باستياء وتأفُّف عن الخائن لأنّ يهوذا يُظهر صورتنا أيضًا. وحول خيانة يهوذا قدّم الأب ميكيليني نظريّة أخرى وهي أنّ يهوذا أراد أن يُظهر يسوع نفسه كمسيح إسرائيل المحرّر والمحارب والسياسيّ، وبالتالي لم يعد يرى وجه يسوع الرّبّ وإنّما مجرّد وجه معلّم ولذلك أراد أن يرغمه على فعل ما يريده.

 

وفي هذا السيّاق انتقل الأب ميكيليني للحديث عن الأمور التي يمكننا القيام بها في سبيل الأشخاص البعيدين عن الإيمان وقال ينبغي علينا أن نذهب للبحث عن الخطأة وأخبر في هذا الإطار عن خبرته الشخصيّة وقال أعيش في جماعة شباب يقومون برسالتين شعبيّتين في السنة. وبالتالي أمزح معهم لأنّهم يرقصون في الطرقات ويدخلون إلى الملاهي؛ أنا كأستاذ لا أشارك معهم في هذه الأمور لكنّني أمزح مع إخوتي حولها، ولكنَّهم يعرفون كم أُقدِّرهم لأنّهم يذهبون حيث هناك من لا نريد أن نراه أو نلتقيه، وحيث هناك شباب بائسين... ولذلك حتّى وإن كنّا لا نقوم بهذه الرّسالة علينا أن نكون ممتنّين ومتضامنين مع الذين يذهبون إلى السّاحات والطرقات كما يقول يسوع بحثًا عن الخطأة والعشارين.

 

تابع الأب جوليو ميكيليني يقول إنّ مسيرة يهوذا قد حملته إلى الانتحار بعد أن تنبّه لخطيئته، وذكّر بهذا السياق بكلمات البابا فرنسيس في عظة له في كابلة بيت القدّيسة مرتا عندما أشار إلى أنّ يهوذا ندم وذهب إلى رؤساء الكهنة ليعيد لهم مالهم وما كان موقفهم؟ هل قالوا له: "لا تقلق لقد كنت شريكنا في هذا الأمر ويمكننا أن نغفر لك؟" لا!! وإنّما قالوا له: "ما لَنا ولِهذا الأَمر؟ أَنتَ وشأَنُكَ فيه!" فأَلقى الفِضَّةَ عِندَ المَقدِسِ وانصرَف، ثُمَّ ذَهَب فشَنَقَ نَفْسَه. لقد تركوه وحده، لقد همّشوه! مسكين يهوذا، خان يسوع وعاد نادمًا ولكن الرّعاة لم يقبلوه، لأنّهم كانوا قد نسوا ما معنى أن يكون المرء راعيًا. لقد كانوا يملكون السّلطة وبالتالي فلسفوا الدين كما يحلو لهم وعلّموا الشّعب تعليمهم الخاصّ وشريعتهم الخاصّة ثمرة ذكائهم ولا ثمرة الوحي الإلهيّ.

 

وفي حديثه عن انتحار يهوذا لم ينسَ الأب جوليو ميكيليني آنيّة الانتحار بمساعدة الغير الذي يخضع له الشباب اليوم وطرح أسئلة للحاضرين ليفكّروا حول هذا الموضوع: كيف يُمكننا أن نساعد مسيحيي عصرنا لكي لا يفقدوا إيمانهم ويستعيدوا إيمانهم مجدّدًا، ذلك الإيمان الذي يحدّثنا عنه العهد الجديد الإيمان الفرِح والشامل وإتباع يسوع؟ وماذا يمكننا أن نفعل لنمنع الانتحار بمساعدة الغير؟

 

 

أمّا في تأمّله السّادس، عصر أمس الأربعاء، توقّف الأب جوليو ميكيليني عند محاكمة يسوع وعند زوجة بيلاطس. تأمّل ساعده في تحضير الزوجين ماريا-تريزا زاتوني وجيلبيرتو جيلّيني واللذان يعاونان الأب ميكيليني منذ سنوات طويلة في الرياضات الروحيّة التي يقدّمها للعائلات وفي لقاءات التنشئة.

 

توقّف الأب جوليو ميكيليني أوّلاً عند الخيار الذي قام به بيلاطس البنطي، بين يسوع وبرأبا وذكّر بالتفسير الذي يعطيه أوريجانس حول أن اسم برأبا هو اسم يسوع نفسه. بعدها شرح أهميّة فهم الأسلوب المعقّد الذي من خلاله يرى الإنجيليّ متى فعّاليّة دم يسوع لمغفرة الخطايا. لكن لا يجب لهذا الأسلوب اللاهوتيّ الذي وضعه القدّيس متّى أن يُفقدنا رؤية البُعد الإنسانيّ لواقع يبدو ظاهريًا مُرتقبًا: رجلان، واحدهما أمام الآخر ولكن واحدًا منهما فقط سيعيش.

 

وفي هذا السياق تحدّث الأب جوليو ميكيليني عن رواية ويليام ستايرون والتي تحمل عنوان "Sophie’s Choice" والتي تخبر عن أمٍّ شابة أجبرها ضابط نازيّ على اختيار واحد من أبنائها ليموت. وأشار بعدها إلى أن المسيحيّين وللأسف قد اتّهموا الشّعب اليهوديّ لعصور طويلة بأنّهم قتلوا إلههم، ولكن هذا الإتهام غير المنطقيّ قد أُبطل على جميع الأصعدة. وإنّما لا ينبغي علينا أن ننسى أنّه وبحسب آلام يسوع في إنجيل متى يظهر هذا الإتهام باطلاً أيضًا لأنّه كما وفي حالة تلك الأمّ التي أُجبرت على تسليم ابنتها إلى الموت تقع مسؤوليّة هذا الخيار الرّهيب على الشّخص الذي وضع الجَمعَ في حالة اختيار أي الحاكم الرومانيّ.

 

بعدها انتقل الأب جوليو ميكيليني إلى القسم الذي أعده الزوجان جيليني – زاتوني اللذان لحظا أنّه بين لعبة السّلطة والتآمر اللذين تمّا بين رئيس الكهنة وبيلاطس يندفع صوت امرأة، زوجة بيلاطس، من خلال رسول، كما يُخبرنا الإنجيليّ متّى "وبَينما هو جالِسٌ على كُرْسِيِّ القَضاء، أَرسَلَت إِليه امرَأَتُه تَقول: "دَعكَ وهذا البارّ، لأَنِّي عانَيتُ اليَومَ في الحُلمِ آلاماً شديدةً بِسَبَبِه" (متى 27، 19).

 

وفي نهاية تأمّله توقّف الأب جوليو ميكيليني عند خمسة أحلام من أناجيل طفولة يسوع بحسب القدّيس متّى بالإضافة إلى حلم زوجة بيلاطس وقال ينبغي علينا أن ننظر إلى هذه الأحلام بمجملها لأنّها معًا يمكن تسميتها "حلم الله": خلاص الابن الذي ومن خلال الأحلام في بداية الإنجيل يهرب من الذي يريد قتله. ولكن إن كان يوسف والمجوس قد فهموا ما عليهم فعله وطبّقوه بالرّغم من أنّه كان مجرّد حلم. لكن بيلاطس لم يصغِ إلى صوت امرأته ولا إلى الأحلام لأنّه، تمامًا كهيرودس، مهتمٌّ بالحفاظ على السّلطة فقط.   

 

 

إذاعة الفاتيكان.