هل يمكننا أن نكون قدّيسين في الحياة اليوميّة؟

متفرقات

هل يمكننا أن نكون قدّيسين في الحياة اليوميّة؟

 

 

هل يمكننا أن نكون قدّيسين في الحياة اليوميّة؟

 

 

أيُّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

 

        

في يوم عمادنا تردّد لنا صدى صلاة القدِّيسين. كثيرون منّا كانوا، في تلك اللّحظة، أطفالاً يحملهم أهلهم. قبل المسحة بزيت الموعوظين، علامة لقوّة الله في الجهاد ضدَّ الشرّ، دعا الكاهن الجماعة كلّها للصّلاة من أجل الذين سينالون العماد، طالبًا شفاعة القدِّيسين. لقد كانت تلك المرّة الأولى في حياتنا التي تُقدّم لنا فيها رفقة الإخوة والأخوات "الكبار" هؤلاء، – القدّيسون – الذين ساروا دربنا عينها وعرفوا تعبَنا ويعيشون على الدوام في عناق الله. تصف الرِّسالة إلى العبرانيِّين هذه الرفقة التي تحيط بنا بـ"الجَمِّ الغَفير مِنَ الشُّهود" (عب ۱۲، ۱). هكذا هم القدّيسون: جَمٌّ غَفير مِنَ الشُّهود.

        

إنّ المسيحيِّين لا ييأسون في جهادهم ضدّ الشرّ. والمسيحيّة تغذّي ثقة ثابتة: لا تؤمن أنّه بإمكان القوى السلبيّة والمُفكّكة أن تنتصر. إنّ الكلمة الأخيرة حول تاريخ الإنسان ليست للكراهيّة ولا للموت ولا للحرب. إن يد الله تساعدنا في كلّ مرحلة من الحياة ولكن يساعدنا أيضًا حضور جميع المؤمنين "الذين سبقونا بعلامة الإيمان" (القانون الرّوماني). تقول لنا حياتهم أوّلاً أنّ الحياة المسيحيّة ليست مثالاً لا يمكن بلوغه، وتعزّينا في الوقت عينه: لسنا وحدنا، الكنيسة مكوّنة من إخوة عديدين، مجهولين غالبًا، سبقونا وبفضل عمل الرّوح القدس يشاركون في حياة من لا يزال يقيم هنا.

 

إنَّ صلاة العماد ليست الوحيدة التي تطبع مسيرة الحياة المسيحيّة. عندما يكرّس مخطوبان حبّهما في سرّ الزواج، تُطلب من أجلهما – هذه المرّة كزوجين – شفاعة القدِّيسين. وهذه الصَّلاة هي مصدر ثقة للشابين اللذين ينطلقان في "رحلة" الحياة الزوجيّة. من يحبّ فعلاً لديه الرَّغبة والشجاعة ليقول "للأبد" ولكنّه يعرف أنه بحاجة لنعمة المسيح ومساعدة القدّيسين، ليعيش حياة زوجيّة للأبد؛ لا كما يقول البعض: "طالما هناك حبّ"، وإنّما للأبد، وإلّا فمن الأفضل لك ألّا تتزوّج أبدًا. لذلك وفي ليتورجيّة الزواج يُطلب حضورهم. في الأوقات الصّعبة علينا أن نتحلّى بالشجاعة لنرفع عيوننا إلى السَّماء ونفكّر بالعديد من المسيحيِّين الذين عاشوا صعوبات وحافظوا على أثواب معموديّتهم بيضاء إذ غسلوها بدم الحمل (رؤ ٧، ١٤)؛ كما نقرأ في سفر الرّؤيا.  الله لا يتركنا أبدًا: في كلّ مرّة نكون بحاجة إليه يأتي ملاكه ليشجّعنا ويمنحنا العزاء. "ملائكة" بوجه وقلب بشريّ أحيانًا لأنّ قدّيسي الله هم هنا على الدوام ويختبئون بيننا. إنّه أمر يصعب فهمه وتخيّله ولكن القدّيسون حاضرون في حياتنا، ويقتربون منّا عندما نرفع صلاتنا لهم.

 

يحفظ الكهنة أيضًا ذكرى صلاة للقدّيسين رُفعت على نيّتهم. إنّها إحدى اللّحظات المؤثِّرة في ليتورجيّة السيامة. وفيما يستلقي المرشّحون على الأرض ووجوههم إلى أسفل، تطلب الجماعة كلها، يقودها الأسقف، شفاعة القدّيسين. قد يُسحَق رجل تحت ثقل الرّسالة التي توكل إليه، ولكنّه إذ يشعر أنّ الفردوس خلفه وأن نعمة الله لن تغيب أبدًا لأنّ يسوع يبقى أمينًا على الدوام يمكنه الانطلاق مطمئنًّا ومُشجَّعًا. لسنا وحدنا.

 

نحن تراب يتوق إلى السّماء. قوانا ضعيفة لكنّ سرّ النعمة الحاضرة في حياة المسيحيّ قوي. لنكن أمناء لهذه الأرض التي أحبّها يسوع في كلّ لحظة من حياته ولكن لنعرف ونرغب أن نرجو في تحوُّل العالم وتحقيقه الكامل حيث لن يكون هناك بعد الآن دموع وشرّ وألم.

 

ليمنحنا الرَّبُّ جميعًا رجاء أن نكون قدِّيسين. قد يسألني أحدكم: "يا أبتي هل يمكننا أن نكون قدِّيسين في الحياة اليوميّة؟" نعم!؛ "ولكن هل هذا يعني أنّه ينبغي علينا أن نصلّي طيلة النهار؟" لا! بل يعني أنّه ينبغي عليك أن تقوم بواجباتك يوميًّا: أن تصلّي وتذهب إلى عملك وتحافظ على أبنائك؛ وبالتالي أن تفعل كلّ شيء بقلب منفتح على الله، وبتلك الرّغبة بأن يكون العمل، حتى في المرض والألم والصعوبات، منفتحًا على الله؛ وهكذا نصبح قدّيسين. ليمنحنا الرَّبُّ رجاء أن نكون قدِّيسين. ويمكننا ذلك! قد نعتقد أنّه أمر صعب وأنّه أسهل بالنسبة لنا أن نكون مجرمين... لا! يمكننا أن نكون قدّيسين لأنَّ الرَّبَّ يساعدنا، هو يساعدنا على الدوام.

 

إنّها الهديّة العظيمة التي يمكن لكلٍّ منّا أن يقدّمها للعالم. ليمنحنا الرَّبُّ نعمة الإيمان به بعمق لنصبح صورة المسيح لهذا العالم. تاريخنا يحتاج إلى "متصوّفين": أشخاص يرفضون كلّ سيطرة ويتوقون إلى المحبّة والأخوّة. رجال ونساء يعيشون مُتقبِّلين حصّة من الألم لأنّهم يحملون ثقل تعب الآخرين. ولكن بدون هؤلاء الرِّجال والنساء لن يكون للعالم رجاء. لذلك أتمنى لكم – ولي أنا أيضًا – أن يمنحنا الرَّبُّ رجاء أن نكون قدِّيسين.

 

أُرحّبُ بالحجّاجِ الناطقينَ باللّغةِ العربيّة، وخاصّةً بالقادمينَ من الشّرق الأوسط. أيّها الإخوةُ والأخواتُ الأعزّاء، القدّيسون هم أشخاص عاشوا، قبل أن ينتقلوا إلى مجد السّماء، حياةً عاديّة، مليئة بالأفراح والأحزان، بالأتعاب والرّجاء؛ لكن عندما اكتشفوا محبّة الله، تبعوه من كلِّ قلبهم. هم يعطوننا رسالة ويقولون لنا: "ثقوا في الرَّبِّ لأنّه لا يخيّب أبدًا! إنّه صديق مخلص يقف دائما إلى جانبنا"؛ وبشهادتهم يشجعوننا كي لا نخاف من السَّير بعكس التيّار. ليبارككُم الرّبّ!

 

 

قداسة البابا فرنسيس

المقابلة العامة: الرجاء المسيحي

الأربعاء، 14 يونيو / حزيران2017‏

ساحة القديس بطرس

موقع الكرسي الرسولي.