"لا نقاومنَّ الرّوح القدس، لكن لنقبل كلمة الله بوداعة" هذه هي الدّعوة التي وجَّهها قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وقال إنّ الصّلاح والسّلام ضبط النفس هي ثمار من يقبل كلمة الله ويعرفها.
لقد تحدّثنا خلال الأيّام الماضية عن مقاومة الرّوح القدس التي بسببها وبّخ اسطفانوس علماء الشّريعة واليوم تحدّثنا القراءات عن الموقف المعاكس والذي يميّز المسيحيّ وهو الطاعة للرّوح القدس. تخبرنا القراءة اليوم من كتاب أعمال الرسل (11/ 19- 26) أنّه بعد موت اسطفانس، وقع اضطهاد كبير في أورشليم، فبقي الرسل وحدهم فيها، فيما تشتّت المؤمنون وانتَقَلوا إِلى فِينيقيةَ وقُبرُسَ وأَنطاكية، لا يُبَشِّرونَ أَحَدًا بِكَلِمَةِ اللهِ إِلاَّ اليَهود. ولَمَّا قَدِموا أَنطاكِيَة، أَخَذوا يُخاطِبونَ اليونانِيِّينَ أيضًا ويُبَشِّرونَهم بِالرَّبِّ يسوع لأنّهم كانوا يشعرون بالرّوح القدس يدفعهم للقيام بذلك. لقد أطاعوا الرّوح القدس وبالتالي حملوا البشارة بعد الاضطهاد لأنّهم كانوا مطيعين للرّوح القدس.
في الفصل الأوّل من رسالته يحث يعقوب الرّسول المؤمنين كي يقبلوا بِوَداعةٍ الكَلِمَةُ المَغروسَةَ فيهم والقادِرَةَ على خَلاصِ نُفوسِهم؛ وبالتالي ينبغي أن نكون منفتحين لا متشدّدين وقساة.
إنّ الخطوة الأولى في مسيرة الوداعة هي قبول الكلمة، أي أن نفتح قلوبنا،
أمّا الخطوة الثانية فهي معرفة الكلمة، أي معرفة يسوع القائل: "أَعرِفُ خِرافي وخِرافي تَعرِفُني، تسمع صوتي وتتبعني".
أما الخطوة الثالثة فهي الإلفة مع الكلمة. علينا أن نحمل كلمة الله معنا على الدوام أن نقرأها ونفتح لها قلبنا، وعندما نفتح قلبنا يفهمنا الرّوح القدس إيّاها. وثمرة قبول الكلمة ومعرفتها، حملها معنًا والتآلف معها هي ثمرة كبيرة، وموقف الشخص الذي يقوم بذلك هو الصلاح والمحبّة والفرح والسّلام وضبط النفس والوداعة.
هذا هو أسلوب الحياة الذي تعطيه الطاعة للرّوح القدس. لكن ينبغي عليَّ أن أنال الرّوح القدس الذي يجعلني أتحلّى بهذه الوداعة، وعدم مقاومة الرّوح ستحملني لأعيش بهذا الأسلوب. وبالتالي فنوال الكلمة ومعرفتها وطلب نعمة حملها للآخرين وإفساح المجال لكي تنمو هذه البذرة وتتحوّل إلى مواقف صلاح ووداعة ومحبّة وسلام وضبط النفس هذا كلّه هو أسلوب الحياة المسيحيّ.
تخبرنا القراءة من أعمال الرسل (11/ 19-26) أنّه لما بَلَغَ الخَبَرُ مَسامِعَ الكَنيسةِ الَّتي في أُورَشَليم، أَنَّ قُبرُسِيُّونَ وقيرِينيُّون أَخَذوا يُخاطِبونَ اليونانِيِّينَ أيضًا ويُبَشِّرونَهم بِالرَّبِّ يسوع؛ أَوفَدوا بَرنابا إِلى أَنطاكِية، لكي يفهم ما حدث وكيف تمّ حمل البشارة إلى غير اليهود ولكن جمال الأمر هو أنّه لَمَّا وَصَلَ برنابا ورأَى النِّعمَةَ الَّتي مَنَحَها الله، فَرِحَ وحَثَّهم جَميعًا على التَّمَسُّكِ بِالرَّبِّ مِن صَميمِ القَلب، لأَنَّه كانَ رَجُلاً صالِحًا، مُمتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ ومن الإِيمان.
إنّ الرّوح القدس يقودنا لكي لا نخطئ لذلك ينبغي علينا أن نقبل هذا الرّوح بوداعة ونعرفه بواسطة الكلمة ونعيش بحسب ما يلهمنا إيّاه. وهذا هو تمامًا عكس المقاومة. لنسأل أنفسنا هل نقاوم الرّوح القدس؟ أم أنّنا نقبله بوداعة كما يطلب منّا يعقوب الرّسول؟ لنطلب إذًا هذه النعمة.
إذاعة الفاتيكان.