إنّ محور سرّ يسوع المسيح هو أنّه أحبّني ومات من أجلي، ولكي ندخل في هذا السرّ علينا أن نتأمّل في آلام الرَّبِّ ودرب الصَّليب هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح يوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وذكّر أنّه لأمر جيد أن نذهب إلى القدّاس ونصلّي ونكون مسيحيِّين صالحين لكن يبقى السؤال الجوهريّ إن كنا قد دخلنا في سرِّ يسوع المسيح.
استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقًا من الرِّسالة إلى أهل روما (5/ 12 -21) والتي يستعمل فيها القدِّيس بولس تناقضات – خطيئة ومعصية، نعمة ومغفرة – ليحملنا كي نفهم شيئًا ما، ولكنّه يشعر أنّه غير قادر على شرح ما يريد شرحه. خلف هذا كلّه نجد تاريخ الخلاص، وإذ لا يجد الكلمات الكافية ليشرح المسيح، يدفعنا القدّيس بولس لنسقط في سرِّ المسيح. فهذه التناقضات ليست إلا خطوات كي نغوص في سرِّ المسيح الذي يصعب فهمه.
في نصٍّ آخر وإذ ينظر إلى يسوع المسيح يقول القدّيس بولس: لقد أحبّني وبذل نفسه في سبيلي، ويلحظ أنّه لا يَكادُ يَموتُ أَحَدٌ مِن أَجلِ امرِئٍ بارّ، ورُبَّما جَرُؤَ أَحَدٌ أَن يَموتَ مِن أَجلِ امرِئٍ صالِح، لكنَّ يسوع المسيح قد مات من أجل خاطئ مثلي. بهذه الكلمات يحاول القدّيس بولس أن يدخلنا في سرِّ المسيح، ليس أمرًا سهلاً بل هو نعمة، ولم يفهمه فقط القدّيسون الذين تمّ إعلان قداستهم وإنّما العديدين غيرهم الذين يعيشون القداسة في خفاء الحياة اليوميّة، أشخاص متواضعون يضعون رجاءهم فقط في الرَّب، دخلوا في سرِّ يسوع المسيح المصلوب الذي يصفه القدّيس بولس بالحماقة وبالرّغم من هذا يؤكِّد أنّه إن كان هناك شيئًا ليفتخر به فهو يفتخر بخطاياه وبيسوع المسيح مصلوبًا، تناقض آخر يحملنا إلى سرِّ يسوع المصلوب.
عندما نذهب إلى القدّاس نحن نعرف أنّ يسوع حاضر في الكلمة وأنّه يأتي إلينا لكنَّ هذا الأمر ليس كافيًا لندخل في السرّ، لأنَّ الدخول في سرِّ يسوع المسيح هو أكثر من ذلك إنّه استسلام لرحمته بدون كلام، إنّه فقط عناق الحبّ: الحبّ الذي حمله ليموت من أجلنا. عندما نتقدّم من سرّ الاعتراف لأنّنا قد خطئنا، نذهب إلى المعرّف ونقول خطايانا ونرتاح ونفرح، ولكنَّ هذا الأمر لا يدخلنا في سرِّ المسيح، لأنَّ الاعتراف يجب أن يكون لقاء بيسوع المسيح لكي أدخل في سرِّه وفي عناق المغفرة ومجانيّتها كما يخبرنا عنها القدّيس بولس.
وبالتالي، على السؤال: "من هو يسوع بالنسبة لك؟" يمكننا أن نجيب: "إنّه ابن الله" أو أن نتلو قانون الإيمان كلّه وتعليم الكنيسة الكاثوليكيّة وستكون كلّها أجوبة صحيحة ولكن ينبغي أن نصل أيضًا إلى قول جوهر سرّ يسوع المسيح أي "لقد أحبَّني ومات من أجلي"؛ لأنَّ فهم سرّ يسوع المسيح لا يتعلّق بالعلم والدِّراسة وإنّما بالنعمة وحسب. ولذلك يمكن أن تساعدنا في فهمه رتبة درب الصّليب التي تقوم على السَّير مع يسوع في تلك اللّحظة التي يمنحنا فيه عناق المغفرة والسَّلام.
إنّه لأمر جميل أن نقوم برتبة درب الصَّليب، في البيت متأمّلين بمراحل آلام الرَّبّ. لقد كان القدِّيسون الكبار ينصحون على الدوام إخوتهم على بدء حياتهم الروحيّة بهذا اللقاء بسرِّ يسوع المصلوب. لقد كانت القدّيسة تريزيا الأفيليّة تنصح راهباتها لكي يبلغنَ أسمى درجات الصّلاة التأمّليّة أن يبدأنَ بالتأمل بآلام الرَّبّ، بصليب المسيح وبالمسيح المصلوب. هذه هي الدّرب، أن أسعى كي أفهم في قلبي أنّه أحبّني ومات من أجلي.
هذا ما يريدنا القدِّيس بولس أن نفهمه، يريد أن يحملنا لنغوص في سرِّ المسيح. قد يقول لي أحدكم: "ولكنّني مسيحيّ صالح أذهب إلى القدّاس يوم الأحد، وأقوم بأعمال رحمة وأتلو صلواتي كلّها وأربّي أولادي تربية صالحة"؛ هذا أمر جيّد لكنَّ السؤال الذي سأطرحه عليك: "أنت تقوم بهذه الأمور كلّها، ولكن هل دخلت في سرِّ يسوع المسيح؟"...
لنطلب من القدِّيس بولس، الشَّاهد الحقيقيّ الذي التقى بيسوع المسيح وسمح له بأن يلتقي به ودخل في سرِّه، أن يمنحنا نعمة الدّخول في سرِّ يسوع المسيح الذي أحبّنا ومات من أجلنا وبرّرنا أمام الله غافرًا خطايانًا ومقتلعًا إيَّاها من جذورها.
إذاعة الفاتيكان.