ليُعِدّ المسيحيّون المُنقادون بنور الكلمة المتجسّد البشريّة لمجيء المخلّص
يكمُن هنا السّؤال التالي: هل الإنسانيّة في زمننا هذا تنتظر المخلّص؟ لدينا شعور بأنّ عددًا كبيرًا من الأشخاص يعتبرون الله كائنًا غريبًا عن مصالحهم الشخصيّة. يبدو أنّهم ليسوا بحاجة له، يعيشون كما لو أنّه لم يكن موجودًا والأسوأ أيضًا، كما لو أنّه يشكّل "عقبة" يريدون إزالتها لتحقيق ذواتهم.
حتّى بين المؤمنين، - نعلم أنّ - بعضهم يتركون أنفسهم تحت سيطرة الخرافات السّاحرة ويتلهَّون بمعتقدات خاطئة تُعرّفهم على طرق مُختصرة للحصول على السّعادة. غالبًا، رغم تناقضاتهم وقلقهم ومآسيهم، والتي غالبًا ما تكون بسببهم، تبحث البشريّة اليوم عن طريق التجديد والخلاص والبحث عن الخالق وتنتظر، أحيانًا دون وعيّ، مجيء المخلّص الذي يجدّد العالم وحياتنا، قدوم المسيح، المخلّص الحقيقيّ الوحيد للإنسان والإنسانيّة جمعاء.
بالتّأكيد، يواصل بعض الأنبياء الكذبة ادّعاء تقديم الخلاص بأبخس الأثمان، وهذا ينتهي على الدّوام بإنتاج الإحباطات الكبيرة. يُظهر التاريخ، على وجه التّحديد، خلال السنوات الخمسين الأخيرة البحث على المخلّص بأبخس الأثمان ويُشير إلى كلّ خيبات الأمل الصّادرة عن هذا. مهمّتنا نحن المسيحيّين هي نشر حقيقة الميلاد، من خلال شهاداتنا الحياتيّة، الذي حمله المسيح لكلّ رجلٍ وامرأةٍ برضى. وُلد المسيح في مغارة فقيرة وأتى ليمنحنا هذا الفرح والسّلام اللذين بإمكانهما وحدهما ملء انتظارات الرّوح البشريّة .
لكن كيف بإمكاننا تحضير قلوبنا وفتحها للمخلّص الآتي؟ الحالة الروحيّة للإنتظار الحذر والورع تبقى الميزة الأساسيّة للمسيحيّة في زمن الميلاد هذا. هذه الحالة هي التي تصف أبطال العصر: زكريّا وأليصابات، المبشّرين، المجوس والشّعب البسيط والمتواضع لاسيّما ترقّب مريم ويوسف، هذين الأخيرين أكثر من غيرهما، اختبرا شخصيًّا القلق والاضطراب على الطفل الذي سيولد.
ليس من الصّعب تخيّل كيف أمضيا أيّامهما الأخيرة بانتظار احتضان ذراعيهما المولود الجديد. لنحظى بنصيبهما، أيّها الإخوة والأخوات ونُصغي إلى عظة القدّيس مكسيموس، أسقف تورينو، المذكور أعلاه: "نحن نتحضّر لاستقبال ميلاد سيّدنا يسوع المسيح، لنلبس ثيابًا نظيفة. أتحدّث عن ثياب النفس وليس عن ثياب الجسد. لا نلبس ثيابًا حريريّة وإنّما أعمالًا مقدّسة! يمكن للثياب البازخة أن تغطّي أعضاء جسدنا لكنّها لا تزيّن ضميرنا على الاطلاق".
في ولادته بيننا، لا نرى الطفل يسوع مشغولًا بتزيين منازلنا بالأضواء. لنحضّر له في نفوسنا وعائلاتنا مكانًا وقورًا، حيث يشعر أنّه مُرحّب به بإيمانٍ ومحبّة ولتساعدنا العذراء مريم والقدّيس يوسف على عيش قصّة الميلاد بتجدّد وصفاء هادئ.
لكن هل الأشخاص المعاصرين لنا ينتظرون المخلّص أيضًا؟ أكثرهم الذين يعيشون كما لو أنّه غير موجود، والأسوأ أيضًا، كما له أنّه "عقبة" يريدون إزالتها لتثبيت وجودهم، هنا لبعض المسيحيّين الذين ينجذبون بفعل وَهْم السّعادة.
مع ذلك، دون إدراك ذلك على الدوام، تبحث الإنسانيّة اليوم عن المخلّص وتنتظر قدوم المسيح المخلّص الحقيقيّ الوحيد من خلال شهادتنا علينا الاحتفال بحقيقة الميلاد. يمنح يسوع الفرح والسّلام اللذين يحقّقان انتظارات جميع النّاس.
لنستعدّ جميعًا لاستقبال المخلّص كما يطلب منّا القدّيس مكسيموس دو تورينو: "لنلبس الأعمال المقدّسة التي يمكنها أن تزيّن ضميرنا، علينا ألا نضيء منازلنا فقط ولكن قلوبنا وعائلاتنا، على وجه الخصوص، كي نكون مستعدّين لاستقبال المخلّص بإيمانٍ وحبّ. فلنصلِّ إلى مريم ويوسف كي يساعدانا على عيش قصّة الميلاد بهدوء".
البابا بنديكتس السادس عشر