هل أعرف كيف اقترب من الآخرين؟

متفرقات

هل أعرف كيف اقترب من الآخرين؟





هل أعرف كيف اقترب من الآخرين؟



"على المسيحيين أن يقتربوا من الذين يتوق المجتمع لإقصائهم وأن يمدوا لهم أيديهم تمامًا كما فعل يسوع مع مهمّشي زمانه، وهذا ما يجعل من الكنيسة جماعة حقيقيّة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الجمعة في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان.


قال البابا إن يسوع هو أول من اقترب من مهمّشي زمانه ولمسهم وشفاهم وبأسلوبه هذا علّم الكنيسة أنه لا وجود للجماعة بدون قرب. إستهلّ الأب الأقدس عظته إنطلاقًا من الإنجيل الذي تقدمه لنا الليتورجية اليوم من القديس متى والذي يخبرنا عن الأبرص الذي تشجّع ودنا من يسوع وَسجد لَه وقال: "يا رَبّ، إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أن تُبرِئَني". فَمدَّ يسوعُ يَدَه فلَمَسَه وشفاه. إن هذه الآية، جرت تحت نظر معلمي الشريعة الذين كانوا يعتبرون الأبرص دنسًا، إذ أن البرص كان يُعتبر قصاصًا لمدى الحياة وكان شفاء الأبرص في ذلك الزمان أشبه بإحياء الميت، ولذلك كان البُرص يُبعدون ويهمَّشون. لكن يسوع يمدُّ يده لهذا المهمّش ويظهر القيمة الأساسيّة لكلمة "قرب".


لا يمكننا أن نكون جماعة بدون القرب، كما ولا يمكننا أن نصنع السلام بدون القرب وهكذا أيضًا لا يمكننا أن نصنع الخير بدون القرب. كان بإمكان يسوع أن يقول له فقط "إبرأ"، ولكنه اقترب منه ولمسه. وعندما لمس يسوع هذا الشخص الدنس صار بدوره دنسًا، وهذا هو سرّ يسوع: فهو يأخذ على عاتقه أوساخنًا ودنسنًا. والقديس بولس يقوله لنا بوضوح: "هو الذي في صورة الله لم يعد مساواته لله غنيمة، بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد" لا بل يذهب القديس بولس أبعد من هذا إذ يقول أيضًا "صار خطيئة" أي أنه أصبح مهمشًّا لأنه أخذ على عاتقه خطيئتنا ليقترب منا.


نقرأ في الإنجيل أن يسوع قال للأبرص الذي شُفيَ: "إِيَّاكَ أَن تُخبِرَ أَحدًا، بلِ اذهَب إِلى الكاهِنِ فَأَرِهِ نَفسَكَ، ثُمَّ قَرِّب ما أَمَرَ بِه موسى مِن قُربان، شَهادَةً لَدَيهِم" فبالإضافة إلى القرب يشكل الإدماج أيضًا بالنسبة ليسوع أمرًا في غاية الأهميّة. فيسوع يعيد دمج المهمّش في الحياة الاجتماعية، يسوع يدمج: يدمج في الكنيسة، ويدمج في المجتمع... "إذهب وقم بما ينبغي فعله" فيسوع لا يهمّش أحدًا، لا بل يهمّش نفسه لإدماج المهمّشين ليدمجنا نحن الخطاة والمهمّشين في حياته.


بعدها سلّط الأب الأقدس الضوء على الدهشة التي يولدها يسوع من خلال أقواله وتصرفاته. كم من الناس تبعوا يسوع في ذلك الوقت وكم من الناس أيضًا تبعوه عبر التاريخ لأنهم دُهشوا بكلماته. لكن هناك أيضًا العديد من الناس الذين ينظرون من بعيد بدون أن يفهموا أو أن يهتمّوا... كم من الناس أيضًا ينظرون من بعيد بقلوب شريرة ليضعوا يسوع في مواقف صعبة أو لينتقدوه ويحكموا عليه... كم من الناس أيضًا ينظرون من بعيد لأنهم لا يملكون الشجاعة للإقتراب منه بالرغم من رغبتهم الكبيرة بالاقتراب! وفي هذه الحالة نرى يسوع يمد يده أولاً، وليس فقط في حالة الأبرص هذا، وإنما هو في كيانه قد مدّ لنا جميعًا يده وصار مثلنا خاطئًا ولكن بدون خطيئة ولكنه حمل خطايانا! وهذا هو القرب المسيحي!


وختم البابا فرنسيس عظته بالقول إن كلمة قرب هي كلمة جميلة وتدعونا لنفحص ضمائرنا: "هل أعرف كيف اقترب من الآخرين؟"، "هل أملك الشجاعة للمس المهمّشين؟" وهذه الأسئلة هي موجّهة للجميع: للكنيسة والرعايا، للجماعات والمكرسين وللأساقفة والكهنة! 


إذاعة الفاتيكان