"خلال مسيرة الإيمان، على الكنيسة وعلى كل مسيحي أن يتنبّه لكي لا ينغلق في نظام شرائع وإنما أن يترك فسحة ليتذكّر العطايا التي نالها من الله في ديناميكيّة النبوءة وآفاق الرّجاء" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الإثنين في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان.
قال الأب الأقدس أُطر الشريعة التي تحدد كل شيء وروح النبوءة الذي يحمل أبعد من الحدود. في حياة الإيمان يمكن للثقة المفرطة بالقوانين أن تخنق قيمة الذكرى وديناميكيّة الروح. هذا ما يُظهره يسوع للكتبة والفريسيين في إنجيل (12/ 1-12) من خلال مثل الكرامين القتلة، الذين قرّروا أن يثوروا ضدّ سيّدهم الذي غرس لهم كرمًا وأوكله إليهم وبالتالي قتلوا العبيد الذين أرسلهم سيّد ذاك الكرم لِيَأخُذَ مِنهُم نَصيبَهُ مِن ثَمَرِ الكَرم. لكن المأساة بلغت ذروتها عندما قتلوا ابنه الوحيد ليكون الميراث لهم.
قتل العبيد والابن – صورة لأنبياء الكتاب المقدّس والمسيح – وصورة لشعب منغلق على ذاته لا ينفتح على وعود الله ولا ينتظرها حتى. شعب بدون ذكرى أو نبوءة أو رجاء. فكل ما يهم رؤساء الشعب هو أن يرفعوا جدران الشرائع في نظام قضائي منغلق. فالذكرى لا تهمّهم، والنبوءة : من الأفضل ألا يكون هناك أنبياء والرّجاء؟ كل شخص سيراه بمفرده.
هذا هو النظام الذي من خلاله يشرّع علماء الشريعة واللاهوتيون الذين يسيرون على درب يقتصر فقط على قضايا الضمير والسلوك ولا يقبلون حريّة الروح القدس؛ لا يعترفون بعطايا الله وعطايا الروح القدس بل يحبسونه لأنّهم لا يقبلون النبؤة في الرجاء.
يسوع نفسه قد تعرض لتجربة فقدان ذكرى رسالته في التجارب التي تعرّض لها خلال صومه في البريّة، ولذلك يوبّخ يسوع هؤلاء الأشخاص لأنه اختبر في نفسه هذه التجارب ويقول لهم: "الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبَةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم تَجوبونَ البَحرَ والبَرَّ لِتَكسِبوا دَخيلاً واحِداً، فإِذا أَصبَحَ دَخيلاً، جَعلتُموه يَستَوجِبُ جَهَنَّمَ ضِعفَ ما أَنتُم تَستَحِقُّون".
فهذا الشعب المنظّم بهذه الطريقة وهذه الكنيسة المنظّمة تستعبد! وبالتالي يمكننا أن نفهم ردّة فعل بولس عندما يتكلّم عن عبوديّة الشريعة وحريّة النعمة. فالشعب يكون حرًّا والكنيسة تكون حرّةً عندما يكون لديها ذكرى وعندما تفسح مجالاً للأنبياء وعندما لا تفقد الرّجاء.
إن الكرم المنظّم هو صورة شعب الله وصورة الكنيسة وإنما أيضًا صورة نفسنا التي يعتني بها الآب على الدوام بمحبّة وحنان، وعندما نثور عليه نتصرّف كالكرّامين القتلة، فنفقد ذكرى العطيّة التي نلناها من الله فيما لكي نتذكّر ولا نُخطئ في المسيرة من الأهميّة بمكان أن نعود دائمًا إلى الجذور.
فهل أذكر العظائم التي صنعها الرب في حياتي؟ هل أذكر عطايا الرّبّ؟ هل أنا قادر على أن أفتح قلبي للأنبياء، أي لمن يقول لي: "هذا الأمر لا يصلح، ينبغي عليك أن تسلك هذا الطريق؛ سرّ إلى الأمام وخاطر". هذا ما يقوم به الأنبياء...
هل أنا منفتح على هذا أم أنني أخاف وأفضّل أن أنغلق في قفص الشريعة؟ وفي النهاية: هل أرجو بمواعيد الله على مثال أبينا إبراهيم الذي خرج من أرضه بدون أن يعرف إلى أين كان متّجهًا ولكنه خرج لأنه كان يرجو بالله؟ سيساعدنا جدًّا أن نطرح على أنفسنا هذه الأسئلة الثلاثة!
إذاعة الفاتيكان.