هاءَنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه

متفرقات

هاءَنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه



هاءَنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه


أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح الأربعاء مقابلته العامّة مع المؤمنين في ساحة القدّيس بطرس واستهلّ تعليمه الأسبوعيّ بالقول: بهذا التأمل وصلنا إلى أعتاب اليوبيل. يقف أمامنا الباب الكبير لرحمة الله الذي يقبل توبتنا ويقدّم لنا نعمة مغفرته. فالباب مفتوح بسخاء ولكن ينبغي علينا أن نتحلّى ببعض الشجاعة لنعبر العتبة. كلّ منّا يحمل في داخله أمورًا تُثقِّل كاهله لأنّّنا جميعنا خطأة! لنستفد إذًا من هذا الوقت الآتي ولنعبر عتبة رحمة الله الذي لا يتعب أبدًا من المغفرة والذي لا يتعب أبدًا من انتظارنا!


 من سينودس الأساقفة الذي احتفلنا به في شهر تشرين الأوّل أكتوبر الماضي، نالت جميع العائلات والكنيسة بأسرها تشجيعًا كبيرًا لتلتقي ببعضها البعض عند عتبة هذا الباب المفتوح. فالكنيسة قد تشجّعت لتفتح أبوابها وتخرج مع الرّبّ للقاء الأبناء والبنات الذين يسيرون، أحيانًا غير واثقين وأحيانًا ضائعين في هذه الأزمنة الصعبة. والعائلات المسيحيّة بشكل خاصّ قد تشجّعت لتفتح الباب للرّبّ الذي ينتظر ليدخل حاملاً بركته وصداقته.


وإن كان باب رحمة الله مفتوحًا على الدّوام فهكذا أيضًا ينبغي أن تكون أبواب كنائسنا وأبواب المحبّة في جماعاتنا ورعايانا ومؤسّساتنا وأبرشيّاتنا، ينبغي أن تكون مفتوحة لنتمكّن من الخروج لنحمل رحمة الله للآخرين. فاليوبيل يعني باب رحمة الله الكبير ولكنّه يعني أيضًا أبواب كنائسنا الصغيرة المفتوحة لنسمح للرّبّ بأن يدخل وأحيانًا أيضًا لنسمح له بأن يخرج من سجن هيكلياتنا ونُظمنا.


 إنّ الرّبّ لا يدخل أبدًا عنوة: هو أيضًا يطلب الإذن بالدّخول كما يقول لنا في سفر الرّؤيا: "هاءَنَذَا واقِفٌ على البابِ أَقرَعُه، فإِن سَمِعَ أَحَدٌ صَوتي وفَتَحَ الباب، دَخَلتُ إِلَيه وتَعَشَّيتُ معه وتَعَشَّى معي" (رؤ 3/ 20). وفي الرّؤية العظيمة الأخيرة من سفر الرّؤيا، نقرأ هذه النبؤة عن مدينة الله: "أَبوابُها لن تُقفَلَ في أَيَّامِها" (رؤ 21/ 25) أي لن تُقفل أبدًا لأَنَّه "لن يَكونَ لَيلٌ هُناك". هناك أماكن في العالم حيث لا تقفل الأبواب بالمفتاح، ولكن هناك أماكن عديدة أيضًا حيث أصبحت الأبواب المصفّحة أمرًا عاديًّا. لا ينبغي علينا أن نستسلم لفكرة تطبيق هذا النظام في حياتنا بأسرها، في حياة العائلة والمدينة والمجتمع، أو في حياة الكنيسة أيضًا، لأنّ الأمر سيكون مروِّعًا، لأنّ كنيسة غير مضيافة أو عائلة منغلقة على نفسها تُسيء إلى الإنجيل وتجعل العالم قاحلاً.


 إنّ الإدارة الرمزيّة "للأبواب" – الأعتاب والممرّات والحدود – قد أصبحت أمرًا جوهريًّا. بالتّأكيد ينبغي على الباب أن يحمي ولا أن يُبعد ويصُد، كما وأنّه لا ينبغي أن يُقتحم الباب وإنّما على العكس ينبغي طلب الإذن للدّخول لأنّ الضيافة تُشعّ في حريّة الاستقبال وتُظلم في تسلُط التعدّي والاجتياح. فالباب يُفتح باستمرار لرؤية إن كان هناك من ينتظر خارجًا ولا يملك الشّجاعة أو حتّى القوّة ليقرع، والباب يقول لنا أمورًا كثيرة عن البيت وعن الكنيسة أيضًا.


إن إدارة الباب تتطلَّب تمييزًا متنبِّهًا وفي الوقت عينه ينبغي عليها أن تلهم ثقة كبيرة. أريد أن أوجّه كلمة امتنان لجميع حراس الأبواب: في مجمّعاتنا السكنيّة والمؤسّسات المدنيّة وفي الكنائس. غالبًا ما يمكن لكياسة البواب ولطافته أن تقدّم صورة عن إنسانيّة واستقبال البيت بأسره. يمكننا أن نتعلّم الكثير من هؤلاء الرّجال والنساء، حرّاس أماكن اللّقاء والاستقبال في مدينة الإنسان!


في الحقيقة نحن نعرف جيّدًا أنّنا حرّاس باب الله وخدامه، وما اسم باب الله؟ من هو باب الله؟ إنّه يسوع! هو الذي يضيء على جميع أبواب الحياة بما فيها باب ولادتنا وباب موتنا. وقد أكّده لنا بنفسه: "أَنا الباب فمَن دَخَلَ مِنِّي يَخلُص يَدخُلُ ويَخرُجُ ويَجِدُ مَرعًى" (يوحنا 10، 9). يسوع هو الباب الذي يجعلنا ندخل ونخرج. لأنّ حظيرة الله هي ملجأ وليست بسجن! السّارقون هم الذين يحاولون تجنُّب الباب: إنّه لأمر غريب لأنَّهم يحاولون الدّخول على الدوام من أماكن أخرى، من النافذة أو من السّطح ولكنّهم يتجنبون الباب دائمًا لأنّ نواياهم سيّئة ويتسلّلون إلى الحظيرة ليخدعوا الخراف ويستغلّوها.


أمّا نحن فينبغي علينا أن ندخل من الباب ونصغي إلى صوت يسوع: وإن سمعنا نغمة صوته فنحن متأكّدون أنّنا بأمان؛ ويمكننا أن ندخل دون خوف ونخرج دون خطر. في خطابه الجميل هذا يتحدّث يسوع أيضًا عن الحارس الذي من واجبه أن يفتح الباب للرّاعي الصّالح. فإن سمع الحارس صوت الرّاعي يفتح الباب ويُدخل جميع الخراف التي يقودها الرّاعي بما فيها تلك التي كانت قد ضاعت في الغابات وذهب الرّاعي لاستعادتها. فالخراف لا يختارها الحارس أو أمين السرّ في الرعيّة لا! ليس هو الذي يختارها! جميع الخراف مدعوّة وقد اختارها الرّاعي الصالح، أمّا الحارس – فهو أيضًا – يطيع صوت الرّاعي.


وبالتّالي يمكننا أن نقول بأنّه ينبغي علينا أن نكون مثل ذاك الحارس، فالكنيسة هي "حارسة بوابة" بيت الرّبّ، وليست "ربّة" البيت!


 إنّ عائلة الناصرة المقدّسة تعرف جيّدًا ما معنى الباب المفتوح أو المغلق لمن ينتظر ابنًا، لمن لا يملك ملجأ ولمن ينبغي عليه أن يهرب من الخطر. لتجعل العائلات المسيحيّة من أعتاب بيوتها علامة كبيرة لباب الرّحمة ولاستقبال الله. هكذا ينبغي على الكنيسة أن تكون في كلّ زاوية من الأرض: حارسة إله يقرع واستقبال إله لا يغلق الباب في وجه أحد. لنقترب بهذا الرّوح من اليوبيل حيث سيكون هناك الباب المقدّس والباب الكبير لرحمة الله! ولكن ليكن هناك أيضًا باب قلبنا فنقبل مغفرة الله ونمنح مغفرتنا للآخرين، ونقبل جميع الذين يقرعون بابنا.    


في ختام مقابلته وجّه قداسة البابا فرنسيس نداءً أشار فيه للاحتفال في العشرين من تشرين الثاني نوفمبر باليوم العالميّ لحقوق الطفل، وقال: من واجب الجميع حماية الأطفال ووضْع خيرهم قبل أي معيار آخر، كي لا يتعرّضوا أبدًا لأشكال العبوديّة وسوء المعاملة ولأشكال الاستغلال أيضًا.


آمل بأن يسهر المجتمع الدّولي بانتباه على الأوضاع الحياتيّة للأطفال، لاسيّما حيث هم معرّضون للتجنيد من قبل مجموعات مُسلّحة؛ وبأن يساعد العائلات أيضًا كي يُضمن لكلّ طفل وطفلة الحقّ في التّعليم والتّربية. هذا وأشار قداسة البابا فرنسيس لاحتفال الكنيسة يوم الحادي والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر بتذكار تقدمة مريم الكليّة القداسة إلى الهيكل، وقال: نشكر الرّبّ على عطيّة دعوة الرّجال والنساء الذين كرّسوا حياتهم لله في الأديار والمناسك. ودعا الأب الأقدس للتعبير عن قربنا الروحيّ والماديّ من جماعات الحياة المحصّنة، كي تتمكّن من مواصلة رسالتها الهامّة، في الصّلاة والعمل الصامت.   

        إذاعة الفاتيكان.