عُقِدَت اليوم ندوة في المركز الكاثوليكيّ للإعلام، بدعوة من اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام عن حياة القدِّيسة فيرونيكا جولياني وتدشين أوَّل كنيسة في العالم خارج إيطاليا على اسمها في بلدة القصيبة – المتن الجنوبي في 9 تمّوز الحالي.
ستدشن الكنيسة الأولى في العالم في حضور السّفير البابويّ غبريالي كاتشا، وبطريرك السُّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، وسيحتفل بالذبيحة الإلهيّة المطران كميل زيدان راعي أبرشيّة أنطلياس مع عدد من المطارنة ولفيف من الكهنة من مختلف المناطق اللبنانيّة. ويبدأ الاحتفال السّاعة السّادسة مساء.
وشارك في الندوة النائب البطريركي السّابق للسُّريان الكاثوليك المطران أنطوان بيلوني، رئيس أساقفة أبرشيّة صور المارونيّة المطران شكرالله نبيل الحاج، مدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الخوري عبده أبو كسم، والمسؤول عن جمعيّة “أبناء مريم، أصدقاء القدِّيسة فيرونيكا” الأخ الشّماس عمانوئيل، والسيّدة أندريه والدة “ماريا” ناكوزي، وحضرها راهبات ورهبان من الجمعيّة المذكورة.
بداية ً رحَّبَ الخوري عبده أبو كسم بالحضور باسم رئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران بولس مطر وقال: “وجودكم هنا اليوم هو وجود خير وصلاة روحانيّة مسيحيّة حقيقـيَّة ويزيدنا نعمة على نعمة”.
وأضاف: “يسرّني في هذا اليوم أن نطرح موضوعًا روحيًّا بامتياز عن القدِّيسة العظيمة فيرونيكا جولياني التي تشعّ قداسة في كلِّ العالم، لنعرّف كلّ الناس واللبنانيِّين عليها، وقد شاءت العناية الإلهيّة أن يكون لها أوَّل كنيسة في العالم في لبنان خارج إيطاليا.
نحن نعيش في حالة جفاف روحيّ في حياتنا ومجتمعاتنا، لبنان أرض قداسة وشعبه يصلّي، لكن هناك هجمة من روح الشرّ ضدّ روح الخير الذي تنشره الكنيسة. فالمسيحيّون في هذا الشّرق مستهدفون ومضطهدون ومشرّدون، لكنّ يسوع يقول لنا: “ستضطهدون من أجل اسمي لكن ثِقوا أنا غلبتُ العالم”، نحن مثل حبَّة الحنطة إن لم تقع وتمت، وإن ماتت أعطت ثمارًا كثيرة”.
وقال: “نحن سنبقى في هذا الشّرق علامة رجاء وقداسة وفرادة. وأمام هذا التفلّت نحن نحارب بأرضنا وقد تهجّرنا من العراق وسوريا وفلسطين، المسيحيّة ستبقى في هذا الشّرق وستبقى أقوى وأقوى”.
وختم: “المجتمع يبتعد عن الدين ويهمش الكهنة والبطاركة والأساقفة لأنّهم يؤمنون بأنّه إذا ضرب الرّاعي تتبدّد الخراف، غير أنّ يسوع هو راعينا وربّنا ربّ المجد والقيامة”.
ثمّ تحدَّث الشمَّاس عِمَّانوئيل فقال: “بالنسبة لهذا الحدث أي تدشين أوَّل كنيسة في العالم خارج إيطاليا للقدِّيسة فيرونيكا جولياني لإكرامها ونشر معرفتها والتعبّد لها، هو أنّ رسالتها حفظت بعانية إلهيّة لهذا الزمن كما أكّد الكاردينال بالتسيني الذي قدّم منذ حوالي ثلاثين عامًا ملفّ هذه القدِّيسة لتصبح معلّمة في الكنيسة”.
وأضاف: “كانت هذه القدِّيسة تكتب كلّ ليلة اختباراتها الرُّوحيَّة، وكانت تعلم أنّها ستبقى في الظّلام حتى زمن صعب على البشريّة للدّفاع عن الإيمان الصّحيح، وقصتنا طويلة حيث شاءت السَّماء أن تأتي هذه القدّيسة إلى لبنان.
تعرّفت إليها سنة 1994 حين كنت في دير الزّور وذُهلت بسيرة حياتها، والعناية الإلهيّة أرسلت شخصًا اسمه جلمود عطالله وقد قطع مسافة 450كلم ليسألني: “شو في بـ 9 تموز؟ وكنت أمسك بيدي كتابها الذي كنت بصدد ترجمته. ثمّ أخبرني عن هذه القدّيسة كيف ترجَّل من الباص وسط الصَّحراء حين تضرّع للرَّبِّ وشعر بقلبه بنار فرح غريب وقوّة انسلخت عنه وصوت يقول له “تذكّر هذا النّهار 9 تموز لأنّه خلّصك”.
وتابع: “لقد عشنا أنا والأخ جلمود حياة روحيّة وأمورًا فائقة الطبيعة، وشفاؤه جعلنا نذهب إلى إيطاليا للتعرّف عن كثب على هذه القدِّيسة التي أصبحت شفيعتنا.
بعد فترة من الزمن تأسَّست جمعية “أبناء مريم، أصدقاء القدِّيسة فيرونيكا جولياني” في كلٍّ من إيطاليا ولبنان وكان لها هدفان: الأوّل إنتاج فيلم عن حياتها وتعاليمها، وسوف يعرض إن شاء الله في آخر تشرين الأوّل المُقبل، أمَّا الهدف الثاني فبناء كنيسة على اسمها”.
وختم: “البابا بيوس التاسع قال عنها: “إنّها ليست قدِّيسة بل عملاقة في القداسة”، كما اعتبر البابا لاوون الثالث عشر أنّها ” مزينة بالنعم الفائقة الطبيعة بعد والدة الإله، والعذراء كانت تدعوها “ابنتي المفضلة، إنّك قلب قلبي”.
ثمَّ كانت كلمة المطران شكرالله نبيل الحاج فقال: “كلّ حياة القدّيسة فيرونيكا جولياني هي قصّة حبٍّ أوَّلاً وأخيرًا، والذي لا يعرف ماذا يعني الحبّ لا يستطيع فهم حياة القدِّيسين، ذاكرًا جنون الصَّليب عند مار بولس”.
وأضاف: “ما ينقصنا نحن المسيحيِّين هو هذا الحبّ. نحن نعيش في صحراء النّاس نسوا فيها حبَّ الله، وراحوا يفتشون عن حبِّ بعضهم البعض أو حبّ العالم ومغرياته وممتلكاته وشهواته، لذلك يشعرون بالعطش دائمًا. وفقط حين ندع الله يحبّنا نعرف طعم السّماء. هكذا ترك هؤلاء القدِّيسون أمثال فيرونيكا الله يحبّهم وعاشوا على هذه الأرض كأنّهم ليسوا من أهلها.
حياتها كانت حمل الصّليب لأنّها ذاقت طعم الرّبّ. إنّ حبَّ الله يشعل قلب القدِّيسين وقلب الشُّهداء فلا نستغربن صليبها الكبير جدًا وعذابات الشّهداء.. ذاكرًا كيف يعذب الناس وكيف داعش تتفنن بقتلهم وهذا ما يخولنا فهم آلام شهدائنا”.
وختم: “القدّيسة فيرونيكا هي شهيدة هذا الحبّ العظيم، هذا هو الحبُّ الذي يغمرنا كلّنا، وعلينا كأساقفة الطلب من الرُّهبان والرَّاهبات والكهنة أن نضع أنفسنا في مجرى هذا الحبّ ونعيد إليه كرامته، فالحبُّ غير محبوب. إن شاء الله أن نعود ونكتشف حبَّ الله ونسكر في حبّه مثل مار شربل”.
ثمّ تحدّث بيلوني فقال: “الله محبّة، وحدها المحبّة توصلنا إليه. ويسوع ترك السّماء ونزل إلى الأرض ليخلّصنا. القداسة هي أن نعيش كما يريدنا أن نعيش، وأن نتشبّه بالإنسان الذي نحبّه وهكذا فعلت القدّيسة فيرونيكا جولياني إذ تشبَّهت وعاشت مثل محبوبها يسوع المصلوب”.
أضاف: “القدِّيسة هي مختارة منذ صغرها ولكن لا يكفي ذلك. إذ تجاوبت مثل أمّنا مريم العذراء مع رغبة الله تعالى. وحين لبست ثوب الرَّهبنة اختارت لنفسها اسم فيرونيكا، الذي يعني صورة عن وجه يسوع الذي ساعدها في تحمّل الطرق الغريبة في خلاص النفوس والتعويض عن قلب يسوع الأقدس وقلب مريم الطاهر وقد اجتمع هذان القلبان مع قلب القدِّيسة وصار هناك تشابه كامل”.
وختم بالقول: “حقـَّـقت القدِّيسة فيرونيكا اسمها بكلِّ معنى الكلمة إذ نالت جروحات المسيح كافّة وتكلَّلت بالشَّوك عدَّة مرَّات. ونطلب من الله بشفاعتها أن يعطينا النعمة للتشبه به ونكون صورة عن الله تعالى”.
واختتمت الندوة بكلمة للسيِّدة أندريه ناكوزي التي قالت: “منذ خمس سنوات ظهرت العذراء على ماريا ابنة الـ21 سنة، المصابة بالسّرطان، وكانت على شفير الموت، وكان صوتها رائعًا، وتشترك في 3 جوقات تراتيل، وبعد ثلاثين يومًا في المستشفى نادت والديها تقول لهما: الرّبّ يسوع اختارني لأكون نفسًا ضحيّة لتوبة الشبيبة البعيدين عن الله. وسأتعذب 15 شهرًا من الألم، والسنة المقبلة سأموت نهار الجمعة العظيمة، وكانت وصيّة العذراء لوالدتها قبل مماتِها أن تبني كنيسة للقدِّيسة فيرونيكا جولياني على مشارف واد في أعالي المتن الجنوبي للبنان في بلدة القصيبة تنتظرها منذ 300 عام، إنّها كلمات العذراء مريم للفتاة ماريا ناكوزي التي قدَمت كلَّ آلامها بفرح من أجل ارتداد الخطأة، وخصوصًا الشبيبة، قبل أن تتوفى في العام 2010″.
وقالت ماريا لوالدتها: “أنا والعدرا شايفين أرض بانحدار وادي، بتروحي عند جدّي بيعطيكي الأرض اللي رفضتيها بالسّابق وبتعمّري الكنيسة”، وهكذا حصل بعد أن قدّم جدّ ماريا الأرض لابنته السيِّدة أندريه ناكوزي التي تنازلت عنها في ما مضى لكي لا تحصل مشاكل داخل العائلة.
إحتارت السيِّدة أندريه، كيف ستبني الكنيسة وهي لا تملك المالَ، وزوجها مريض منذ ثلاثين عامًا، وعمّها مقعد، فيما زاد مرض ابنتها من معاناة العائلة، لكن العذراء ظهرت لها في منامها وطمأنتها إلى أنّها ستضع يدها معها في بناء الكنيسة”. وقد قدّمت عائلة ناكوزي الأرض في بلدة القصيبة إلى “جمعيّة أصدقاء القدِّيسة فيرونيكا جولياني، أبناء مريم”، لبناء الدّير والكنيسة.
وتكشف السيِّدة ناكوزي أنّه وفي اللّيلة التي قرَّرت فيها بدء البناء، شبَّ حريق هائل في منزلها ولم يتبقَ منه سوى صورة للعذراء وصورة أخرى لابنتها ماريا… وقد استعانت بمصروف ولديها للبدء بطباعة كتيبات عن حياة القدّيسة فيرونيكا، ليتعرّف عليها اللبنانيون، وجالت في القرى والكنائس، فقدّم لها العجائز غلّة صواني القداديس التي لا تتعدى بضعة الآلاف، كما ساعدها أيضًا الأطفال المصابون بمرض السّرطان، بمصروفهم وتبرّعاتهم المتواضعة”.
تقول السيِّدة ناكوزي: “إنّ كلّ لبناني مقيم ومغترب له اليد الفضلى في بناء الكنيسة”، لافتة إلى أنّه “كلّما تعرقلت في مكان كانت تفرج في مكان آخر، لدرجة أنّ العذراء أرشدتها في الحلم حتى إلى المهندسين، وألبستها في منامها ثوبًا بنيًّا ملأت جيوبه بالنعم”.
هكذا وفت ماريّا بالوعد حين قالت لوالدتها أندريه: “أنا والعذراء ما راح نتركك”، الحلم السّماويّ أصبح حقيقة على الأرض على أمل اللقاء في 9 تموز الحالي في بلدة القصيبة”.
المركز الكاثوليكي للإعلام.