مَن يستطيع أن يساعدنا للاستعداد للميلاد ولسرّ التجسّد أكثر من التي وجد بها تاريخ حبّ الله الطويل لشعبه ذروته؟ عندما رفض آدم وزوجته العيش في العلاقة الحميمة العذبة مع الله، لم ينسحب الله مجروحًا وخائبًا بسبب رفض الإنسان. لا، بل أراد أن يجعل من هذه الخطيئة الأصليّة "خطأ سعيدًا" يبلغ عن طريقه إلى الإنسان من جديد. لأنّه إذا كان الله هو الحبّ فلن يجد راحته إلا بالاتحاد بالإنسان...، كما يقال أنّ الإنسان لن يجد راحته إلا في الله!
تقرّب الله من الإنسان خلال قرون من تاريخ الخلاص، بداية مع ابراهيم "صديقه الحميم"، ومن ثمّ مع الآباء وموسى وداود وسليمان وأخيرًا مع الأنبياء. وبلغت الحميميّة ذروتها بـ"نَعم" مريم، ابنة ابراهيم. إذا لقد وجد الله خليقته، كما ينضمّ العريس لعروسه في انصهار من الحبّ. هذا هو "منطق التجسّد": صار الله إنسانًا ليعيد إليه الإنسان ابنا وابنة. عند "َنَعم" مريم، زار الله شعبه من جديد وأراد أن يعيده إلى مسكنه وأن يحيي معه العلاقة الحميمة الأصليّة الضالّة.
نَعم، بفضل مريم، حواء الجديدة، تمكّن الله أن يتصالح مع الإنسان. لذلك هنالك العديد من الأسباب الأساسيّة لنكون ممتنين وفرحين مع أليصابات – الممتلئة أيضًا من الروح! – والتي ابتهجت فرحًا قائلة باسمنا: «مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! ... مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟" (لو1/ 42 -43).
إذا كانت الكنيسة اليوم، قبل أيّام من عيد الميلاد تطلب منّا أن ننظر إلى مريم، فذلك ليس فقط لتكريم مريم أو لشكرها، إنّما لتحثّنا بدورنا لقول "النَعَم الخاصّة بنا لله وإعطائه الفرصة لمواصلة تجسّده في عالمنا اليوم، عالم العنف والإرهاب "باسم الله".
إنّ جواب الله، دائمًا وأبدًا، على كلّ الفظائع التي تقع هذه الأيّام وعلى كلّ تخبّط الإنسان وعلى كلّ قوى الشرّ التي تعصف هو: إنّي أبشركم بنبأ عظيم: وُلِد لكم اليوم، في بيت لحم، طفل... ( لوقا 2: 10-12)، فرح وأمان للبشريّة جمعاء التي يشلّها الإرهاب. كما قال النبيّ ميخا (5/ 1 -4):" منكِ يا بيت لحم، سيخرج الله وسيكون راعيهم. هو نفسه سيكون سلاما!".
ولكن يمكن أن تكون هذه النبوءة مهدئا فقط إن لم تنل تجاوبًا منّا. وإذا كنّا نكرّم القدّيسة مريم العذراء لأنّها آمنت بكلمة، فذلك لأنّ كلّ منّا يعيد كلام الرسالة إلى العبرانيّين (10/ 5 -10)؛ لا أريد إلّا ذبيحة واحدة وهي أن يقول كلّ منّا خلال عيد الميلاد بعد مريم: «هاءَنَذا لِأَعمَلَ بِمَشيئَتِكَ».
الحلّ الّذي سيُنقذ البشريّة من الإرهاب ليس أن يحذف عيد الميلاد لأنّنا خائفين ونفتقر الأمان. الحلّ هو أن يعرف كلّ منّا أن يقول على مثال مريم ومعها الـ"نعم" الخاصّة به لرغبة الله في التجسّد. لأنّ الله بحاجة إلى الـ"نَعَم" خاصّـتنا، كما كان يحتاج "نَعَم" مريم، ليواصل تجسّده، ليأخذنا مسكنًا له، ليكون "عمّانوئيل" – الله مع شعبه، ليبني ملكوت العدالة والسَّلام.
الاب هانس بوتمان اليسوعي