عقدت قبل ظهر أمس الخميس ندوة صحفيّة في المركز الكاثوليكيّ للإعلام، بدعوة من اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام حول “موقف الدين وعلم النفس من التنجيم والتبصير والشعوذات والبدع”. تناولت موقف الكتاب المقدّس من هذا الموضوع، والحالة النفسيّة التي ترافق الإنسان قبل وبعد الشعوذات، وموقف الدّين الإسلامي.
شارك فيها رئيس أساقفة بيروت للموارنة، ورئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، المعاون البطريركيّ والمشرف على مكاتب الدائرة البطريركيّة المطران جوزف نفّاع، مدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الخوري عبده أبو كسم، المفتي الجعفريّ الشيخ أحمد طالب، الأخصائيّ في علم النفس العياديّ والتوجيه العائليّ الدكتور نبيل خوري، وحضرها الأب غسطين حلو، من ثانوية الجديدة الرَّسميّة للبنات الأستاذ يوسف الحاج وطلاب البكالوريا، ولفيف من الإعلاميّين والمهتمّين.
بداية رحّب المطران بولس مطر بالمنتدين والحضور وقال:
"صباح الخير في هذا اليوم الماطر وهو نعمة من السّماء، موضوع ندوتنا له أهميّته الكبرى ألا هو موقف الدين من السحر والشعوذة والبدع، واليوم أتشرف أن يكون بيننا علماء دين في هذا الحقل ليعطوننا من إيمانهم وعلمهم الواسع، أهلا وسهلا.
سأعطي وجهة نظر سريعة عندما قبل الربّ يسوع أن يجرّبه الشّيطان ليعلّمنا السيطرة على التجارب قال له الشيطان: “ارمِ نفسك من علو والملائكة تحملك”، “قل لهذا الخبز أن يصير خبزاً، فكان الجواب بصورة واسعة أن “لا تجرِّب الربّ إلهك”.
نحن لسنا من الذين يأمرون الله نحن نتلمس من الله نعمة وبركة، لا نأمر شفاءً بل نطلب شفاءً. موقفنا يجب أن يكون هذا الموقف، نحن مؤمنون أبناء إذ تقول المسيحيّة، نطلب من الله، والله له رحمته الواسعة، كلّ موقف يستعمل إي وسيلة لإرغام الله على أن يعطي الرّحمة هو موقف خاطىء، نحن عباد نحن واثقون أنّ الرّحمة الإلهيّة نطلبها ونلتمسها وهذا هو الموقف الصّحيح".
ثمّ كانت كلمة المطران جوزف نفّاع عن موقف الكتاب المقدّس من التنجيم والتبصير فقال:
" بالحقيقة أن العهد القديم، كلّ الكتاب المقدٍّس، خاصّة الأنبياء موقفهم الأساسيّ رفض التبصير وهذا أمر مرفوض.. لماذا وكيف نشأت هذه البدعة في العالم؟ المنطقة المحيطة بنا هي منطقة صحراويّة، بدأت القصة من هناك وكانوا يستعينون بمواقع النجوم لمعرفة حالة الطقس لأنّ عليه تقوم التجارة والزراعة والسّفر ولمعرفة الطرقات، لذلك طلع في العالم القديم منجّمين وعلماء الفلك.
نلاحظ أغلب المدن حتى اللبنانية فيها ساحة النجمة، بيروت، طرابلس، وصيدا، هي مكان مرتفع قليلاً، فيه تيارات هوائيّة ولا غيوم فيه، ويستطيع هؤلاء العلماء مراقبة النجوم. ولليوم نتابع دائماً حالة الطقس على نشرات الأخبار.
لذلك المنجّمون الكذبة اعتمدوا علم الفلك للقول أنّهم يعرفون وضع الإنسان الماليّ الصحّي والعاطفيّ والناس صدّقتهم.
التبصير والتنجيم انتشر بقوّة في صيدا وصور لأنّهم كانوا تجّار، من أجل ذلك دخلوا إلى أرض الكتاب المقدّس وأقنعوا الناس هؤلاء المنجمون بمعرفة ماذا سيحلّ بالغدً. وإذا قرأنا في الكتاب المقدّس نرى بفترة من الفترات شباب وصبايا لاحظوا فكرة قراءة المستقبل مرفوضة دينياً، فأجمعوا على مواجهة هذه البدعة، ودخلوا البيوت ليقولوا للناس حافظوا على إيمانكم وارفضوا التبصير، لأنّ المؤمن لا يعتمد التبصير بل يعتمد على الله، وقد سميوا “الإخوة الأنبياء” ومعنى وجودهم رفض التبصير.
كيف تقولون أنّ أنبياء العهد القديم تكلّموا عن المسيح المنتظر؟ هم لم يبصروا، هم مؤمنون بأنّ الله محبّة، إذا هو سيأتي. الله متواضع يأتي للعيش مع الفقير (مغارة)، وهذه الصفات تصف "الله المحبّة".
أذا تعرّفنا على الله جيداً نستطيع أن نقول "بكرا شو بدّو يعمل، الله ما راح يتركنا الله محبّة، هذا ليس تبصيراً بل إعلان إيمان".
ثمّ كانت كلمة المفتي الجعفريّ الشيخ أحمد طالب حول موقف الدين الإسلاميّ فقال:
"علم الغيب من مختصّات المولى، وظاهرة التوقعات والتنجيم باتت تشغل الرأي العامّ مستفيدة من رغبة الإنسان الملحّة لمعرفة مستقبله وما ستكون عليه حياته من باب الفضول المعرفيّ. وهذه الظاهرة تزداد حدّة في آخر يوم من السنة في كلّ عام وينتظر الناس الذين أعيتهم مشاكلهم الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصادية أن يسمعوا كلمة تُعيد إليهم الأمل وتطمئنهم إلى أنّ حالهم سيؤول نحو الافضل.
وإن كنّا نرى ظاهرة العودة إلى الدين باتت ملفتة نتيجة الشّحن الطائفيّ والشّعور بأنّ كلّ دين هو المستهدف ممّا أعاد شدّ العصب العاطفيّ فانعكس عودة للتمسّك بالمظاهر الدينية وشعاراتها إلّا أنّ هذا الأمر وهو الحديث عن الغيب رغم أنّه يتعارض مع ثقافة الأديان بقي استثناءً لأنّ الشّوق لاكتشاف الأمل في ظلّ الآلام المطبقة على واقع الناس كان أشدّ من التعبّد في ما أمر به الدين.
في ثقافة الإسلام هذه الأمور مرفوضة جملةً وتفصيلاً لأنّ الدين الإسلاميّ أراد من أتباعه أن يلتمسوا السبل العلميّة والعقليّة في اعتقاداتهم ولا يرتبون أي أمر على مدعى لا أسس سليمة له لذلك اعتبر أنّ الغيب من مختصّات الاله. والنبيّ قال "كذب المنجمّون ولو صدقوا. الشمس والقمر آياتان من آيات الله لا تنخسفان لموت أحد ولا حياته".
وأنّ ظاهرة الإلهام التي تدعى من قبل البعض لا يمكن تفسيرها إلّا أنّها قدرة على الفراسة لدى بعضهم من خلال استدراج المتكلّم بطريقة ذكيّة وقراءة تعبيرات الوجه والحركات وأيضاً من خلال تواصل مع أجهزة مطلعة ومحللة لبعض الأحداث السياسيّة والأمنيّة التي يمكن أن تحصل هي قدرة تبصيريّة كقراءة فنجان القهوة ولا يوجد في ذلك أي خصوصيّة أو علاقة بالغيب ولو كان ما يدعونه صحيحاً للزم من ذلك عدم خطأهم وعدم تناقضهم. وقدرتهم على أن يعملوا إلهامهم فيما ستكون عليه أمورهم الشخصيّة في المستقبل مع أنّنا نرى إخفاقات كبرى لم يتوقعوها لأنفسهم وإلّا لتداركوها قبل حصولها.
في النهاية إن تفاعل الناس مع هذه الظواهر المرضيّة تدلّ على ضعف المستوى الفكريّ والثقافيّ والإيمانيّ لدى الناس وأهمّ من كلّ ذلك يدلّ على تدنّي مستوى الفطنة والذكاء وإعمال الفكر بحيث أنّ مدعياً يتلاعب بحياتهم وتجارتهم وثرواتهم وهم يتقبلون ذلك مع إشعاره بأنّه يمنّ عليهم والفضل يعود له.
علينا أن نعيد للعقل احترامه وأن نعمل جاهدين أن نرفع من القدرات الفكريّة والإيمانيّة للناس".
كلمة د. خوري عن الحالة النفسيّة التي ترافق الإنسان قبل وبعد الشعوذات فقال:
"ما الذي يجعل الإنسان يؤمن بالعرافة والتبصير؟ لأنّ الإنسان يرى مخاوفه بأمّ العين، ويرى هواجسه وما هو مهووس به، ولأنّه يجد مدلولات تقوّي ما يؤمن به. وهو مستعدّ لتكريس المال والوقت لهما، ولأنّ الأمر سهل المنال عندما يكون يائساً، ويريد من يأخذ عنه قرارات، ويشعر بأنّه يتعاطى مع أمر أقوى من طاقته، غير مدرك لحقيقة مشاكله، وهو بحاجة إلى إجابات مباشرة، لأنّ الإنسان المُصغي للعرّافين والبصّارين ضعيف الذكاء التفاعليّ، ضعيف الطاقات الإدراكيّة وضعيف الطاقات التحليليّة.
هدفه الرّاحة والطمأنينة القصيريتين في المدّة الزمنيّة، وهما كافيتان لإقناع الإنسان بتكريس الوقت والمال للمبصرّين والعرّافين.
عندما يجد الإنسان من يلومه أو ما يلومه وهو قادر على ذلك، يضطر للجوء إلى من يفعل له ذلك ويجد له المبررات."
وفي الختام تحدّث الخوري عبده أبو كسم فقال:
نجتمع اليوم في هذه الندوة، لنوضح للرأي العامّ موقف الدّين من التنجيم والتبصير والكتابة وبثّ الروح الشّريرة أو استجلاب هذه الشّرور من خلال ممارسة البعض لهذه الشعوذات. وقد يتساءل البعض لماذا الكنيسة تقارب هذا الموضوع؟ ولماذا اليوم بالذات؟
أوّلاً لأنّ الكنيسة أمّ ومعلّمة، من واجبها أن تنوّر أبناءَها وتقودهم نحو طريق الخير وتبعدهم عن طريق الشرّ.
وثانياً هو أنّه في مثل هذه الأيّام عندما تقترب نهاية السّنة، يكثر المنجمون، وينقاد البعض إلى تنبؤاتهم.
هناك العديد من العائلات المسيحيّة إنهارت وتفكّكت جرّاء ممارستها لهذه الشعوذات، فمنهن من تقصد شيخاً ليضرب لها مندل ولا تدري أنّها تجاري الشيطان فيقوم باستغلالها حتى تفليسها وتدميرها. ومنهم من يقع ضحيّة إناسٍ يدّعون أنهم منجمهون، ويسلبونه ماله ويخرّبون بيته تحت عنوان كتابةٍ لمستقبل لامع أو لإكتشاف كنز ثمين.
الأمثلة كثيرة ومن يقع فريسة هؤلاء مصيره هلاك نفسه وتدمير عائلته.
لهذا نتوجّه إليكم يا أبناءَنا، وندعوكم الاّ تقاربوا هذه الشعوذات، واتّكلوا على العناية الإلهيّة فهي التي تقود خُطانا لِما فيه خلاص نفوسنا، وكلّ ما عدا ذلك هو من أعمال الشيطان ومن له أذنان سامعتان فليسمع."
المركز الكاثوليكيّ للإعلام.