من هو الأكبر بيننا؟

متفرقات

من هو الأكبر بيننا؟

 

 

درب الحياة المسيحية هي الخدمة والتواضع

 

 

"إنَّ الدّرب التي يدلّنا إليها يسوع هي درب الخدمة ولكن غالبًا ما نرى أشخاصًا في الكنيسة يبحثون عن السّلطة والمال والتباهي" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدِّيسة مرتا بالفاتيكان، وأكّد أنه ينبغي على المسيحيِّين أن يتغلّبوا على التجربة الدنيويّة التي تقسم الكنيسة وحذّر من الأشخاص الوصوليِّين المستعدين لتدمير الآخرين في سبيل الوصول إلى مراكز عالية.

 

 يسوع يعلّم تلاميذه درب الخدمة ولكنّهم يَتَباحَثونَ في مَن هُوَ ٱلأَكبَر بينهم؛ استهلّ البابا فرنسيس عظته إنطلاقًا من إنجيل القدّيس مرقس (9/  30- 37) ليتوقّف في تأمُّله الصباحي عند التجارب الدنيويّة التي تدمّر، اليوم أيضًا، شهادة الكنيسة، وقال يسوع يتكلّم لغة التواضع والموت والفداء وهم يتكلّمون لغة الوصوليّين متسائلين من الذي سيصل إلى أعلى المراكز؟

 

 هذه التجربة التي كانوا يتعرّضون لها، إنّها تجربة التفكير بالأمور الدنيويّة، يَتَباحَثونَ في مَن هُوَ ٱلأَكبَر فيما يعلّمهم يسوع أن أَوَّلَ ٱلقَوم، هو آخِرهُم جَميعًا وَخادِمهُم. في الدَّرب الذي يدلّنا إليها يسوع تشكل الخدمة القاعدة الأساسيّة للمضي قدمًا.

 

الأكبر هو الذي يخدم أكثر، والذي يكون في خدمة الآخرين وليس الذي يتباهى ويسعى إلى السّلطة والمال... لا هؤلاء ليسوا الكبار! هذا ما يحصل هنا مع الرّسل، وهذا ما حصل أيضًا مع أمّ يوحنّا ويعقوب. إنّها قصّة تتكرّر يوميًّا في الكنيسة وفي كلّ جماعة، وترانا نتساءل: "من هو الأكبر بيننا؟ من هو الذي يعطي الأوامر؟" هذه هي الطموحات وهي في كلّ الجماعات والرّعايا والأوضاع، إنّها رغبة الوصول والحصول على السّلطة.

 

 تُحذّرنا القراءة من رسالة القدّيس يعقوب (4/ 1- 10) من "الأَهواء ٱلَّتي تَعتَرِكُ في أَعضائِنا" ويقول لنا القدّيس يعقوب: "تَشتَهونَ وَلا تَنالون. تَقتُلونَ وَتَحسُدونَ وَتَعجِزون عَن نَيلِ ما تُريدون، فَتُخاصِمونَ وَتُقاتِلون". هذه الرّسالة اليوم، هي أيضًا للكنيسة، فالعالم يتكلّم عن الذي يملك سلطة أكبر ليحكم، فيما يؤكّد لنا يسوع أنّه أتى إلى العالم ليَخدُمَ وليس ليُخدَم.

 

 التباهي والسّلطة... هذه هي الرَّغبة الدنيويّة بأن يكون المرء صاحب سلطة، وبأن يُخدم ولكي يصل إلى ما يريده هو لا يتوانى عن فعل أي شيء فيغتاب ويثرثر ويلطّخ سمعة الآخرين... الغيرة والحسد يسيران أيضًا على هذه الدّرب عينها ويدمّران. وهذا الأمر نعرفه جميعًا، وهو ما يحصل في جميع مؤسّسات الكنيسة: في الرعايا والمعاهد وحتّى في الأبرشيّات... إنّها رغبة روح العالم، روح الغنى والتباهي.

 

 إنّهما أسلوبان في التكلّم: يسوع يُعلّم الخدمة والتلاميذ يَتَباحَثونَ في مَن هُوَ ٱلأَكبَر بينهم. لكن يسوع قد أتى ليَخدُم وقد علّمنا أنّ درب الحياة المسيحيّة هي الخدمة والتواضع. فعندما كان القدّيسون الكبار يقولون إنّهم يشعرون بأنّهم خطأة، فذلك لأنّهم كانوا قد فهموا روح العالم هذا الذي كان في داخلهم وكانوا يتعرّضون للعديد من التجارب الدنيويّة، وبالتالي لا يُمكن لأحد منّا أن يقول: "لا! أنا شخص قدّيس وبلا خطيئة!"

 

 جميعنا نتعرّض لهذه التجارب، ونحن معرّضون لندمّر الآخر في سبيل الصّعود والوصول إلى مراكز أعلى. إنّها تجربة دنيوية تقسم الكنيسة وتدمّرها وهي ليست من روح يسوع. كم هو جميل أن نتخيّل المشهد: التلاميذ الذين يَتَباحَثونَ في مَن هُوَ ٱلأَكبَر بينهم فيما يسوع يعلّّمهم جميع هذه الأمور.

 

سيساعدنا أن نفكّر في المرَّات العديدة التي رأينا فيها هذه الأمور في الكنيسة وفي المرَّات التي تصرَّفنا فيها نحن بدورنا على هذا النحو وأن نطلب من الرّبّ أن ينوّرنا لنفهم أنّ محبّة الأمور الدنيوية وروح العالم هما عدويّ الله!

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.