استقبل البابا فرنسيس، السبت، الأساقفة المشاركين في دورة ينظّمها مجمع تبشير الشعوب.
واستهل الحبر الأعظم كلمته بالسؤال: "من هو الأسقف؟".
ويجيب بالقول: "أريد أن أرسم ثلاث جوانب جوهريّة: إنّه رجل صلاة، رجل الإعلان، ورجل الشركة.
أولاً رجل صلاة؛ الأسقف هو خليفة الرسل وعلى مثالهم يدعوه يسوع للإقامة معه. هناك يجد قوّته وثقته. وهكذا ينضج فيه الإدراك بأنّ البذرة ستنمو حتى عندما ينام في الليل أو عندما يتعب في الحقل الذي يزرعه في النهار. إن الصلاة ليست مجرّد تقوى بالنسبة للأسقف بل هي ضرورة، وليست مجرّد التزام كغيره بل خدمة تشفُّع لا غنى عنها: إذ عليه أن يرفع يوميًّا الأشخاص والحالات إلى الله، على مثال موسى الذي رفع يديه إلى السماء من أجل شعبه. إنّه شخص يملك الشجاعة لمناقشة الله من أجل قطيعه. فاعل في الصّلاة يتقاسم شغف وصليب سيّده. لا يكتفي أبدًا بل يسعى دائمًا للتشبّه به في المسيرة ليصبح على مثال يسوع ضحيّة ومذبحًا من أجل خلاص شعبه.
رجل إعلان؛ إنّ الأسقف، خليفة الرسل، يشعر بأن الوصيّة التي أعطاها يسوع للرسل هي موجّهة إليه: "اِذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وأَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين". إذهبوا: إن الإنجيل لا يُعلن فيما نبقى جالسين، وإنما في المسيرة. فالأسقف لا يعيش في المكتب بل يحمل ربّه إلى حيث لم يتمّ التعرّف عليه بعد، وحيث هو مشوّه ومُضطهد. وإذ يخرج من نفسه يجد نفسه. وما هو أسلوب الإعلان؟ الشهادة بتواضع لمحبّة الله تمامًا كما فعل يسوع الذي تواضع محبّة بنا. إنَّ إعلان الإنجيل يتعرّض لتجارب السلطة وروح العالم، وهناك على الدوام خطر الاهتمام بالشكل أكثر من المحتوى؛ ولكنّكم مدعوّون لتكونوا ذكرى حيّة للرب لكي تذكّروا الكنيسة أنَّ الإعلان يعني بذل الحياة بدون تحفظات والاستعداد لقبول التضحية الكاملة بالذات.
رجل شركة؛ لا يمكن للأسقف أن يتحلّى بجميع الصفات والمواهب ولكنّه مدعو للتحلي بموهبة العيش معًا أي أن يحافظ على الوحدة ويعزّز الشركة، لأنَّ الكنيسة بحاجة للوحدة والراعي يجمع. الأسقف هو لمؤمنيه ولكنّه مسيحيٌّ معهم. هو لا يبحث عن رضى العالم ولا يهمّه أن يحافظ على اسمه بل يحبّ أن ينسج الشّركة ويلتزم في الصفِّ الأوّل ويعمل بتواضع. لا يتعب من الإصغاء؛ ولا يعتمد على مشاريع جاهزة بل يسمح بأن يسائله صوت الرُّوح القدس الذي يتكلّم من خلال إيمان البسطاء. هو يعزّز بمثاله أخوّة كهنوتيّة ويظهر للكهنة أنّ خدمة الرَّاعي ليست امتيازًا أو شرفًا؛ ولذلك لا تكونوا وصوليين بل ارعوا قطيع الرّب، "ولا تَتَسلَّطوا على الَّذينَ هم في رَعِيَّتكم، بل كونوا قُدْوةً للِقَطيع". اهربوا من الإكليروسيّة "أسلوب شاذ لفهم السلطة في الكنيسة، وشائع في العديد من الجماعات التي حدثت فيها تعدّيات جنسيّة، وسوء استعمال للسلطة والضمير". هي تفسد الشركة إذ "تولّد شقّاً في الجسم الكنسيّ يغذّي ويساعد على استمرار العديد من الشرور التي ندينها اليوم. أن نقول لا للتعدّيات يعني أن نقول لا بقوّة لأيّ شكل من أشكال الأكليروسيَّة" (الرسالة على شعب الله، ٢٠ آب ٢٠١٨)".
ليشعر شعب الله الذي مُنحتم السيامة من أجله، أنكم آباء حنونين إذ لا يجب لأحد أن يُظهر تجاهكم مواقف خضوع، لاسيّما إذ تظهر في هذه المرحلة من التاريخ نزعات عديدة من التسلُّط. كونوا إذًا رجالاً فقراء بالخيور الماديّة وإنما أغنياء بالعلاقات، لا تكونوا قساة أو مُتجهِّمين وإنما لطفاء وصبورين وبسطاء ومنفتحين. أريد ايضًا أن أطلب منكم أن تعتنوا بشكل خاص ببعض الوقائع:
-العائلات، التي وبالرغم من أنها تُظلم بسبب ثقافة تنقل منطق المؤقّت وتعطي امتيازات لحقوق الأفراد، تبقى الخلايا الأولى لكل مجتمع والكنائس الأولى، لأنها كنائس بيتيّة. عززوا مسيرات تحضير للزواج ومرافقة للعائلات إذ ستشكل بذارًا ستعطي ثمارًا في وقتها.
لتكن الإكليريكيات مشاتل الغد. تحققوا بانتباه من أن يديرها رجال الله ومربّون كفؤون وناضجون يضمنون بمساعدة أفضل العلوم الإنسانيّة تنشئة أشخاص سليمين ومنفتحين، حقيقيِّين وصادقين. الشباب والذين يُكرّس لهم السينودس المقبل. لنضع أنفسنا في الإصغاء إليهم ولنسمح لهم بأن يسائلوننا، لنقبل رغباتهم وشكوكهم وانتقاداتهم وأزماتهم. إنّهم مستقبل الكنيسة والمجتمع؛ والعالم الأفضل متعلِّق بهم.
الفقراء. إن محبّتهم تعني الجهاد ضدّ جميع أنواع الفقر الرُّوحي والمادي. كرِّسوا وقتًا وطاقات للآخيرين بدون أن تخافوا من الالتزام الذي يتطلّبه هذا الأمر.
إحذروا أيّها الإخوة من الفتور الذي يحمل على الكسل، والسكينة عبدة التضحية، والسرعة الراعويّة التي تحمل على اللامبالاة، ووفرة الخيور التي تشوّه الإنجيل. أشكركم على إصغائكم وأبارككم وأفرح بكم كإخوة أعزاء لي وأسألكم من فضلكم ألا تنسوا أن تصلّوا من أجلي".
موقع أبونا.