"مغفورةٌ لك خطاياك! قمْ احملْ سريرَك واذهبْ إلى بيتك" (مر 2: 5 و11)
1. الربّ يسوع، وجه رحمة الله في العالم، يكشف في آية شفاء المخلّع أنه طبيب الأرواح والأجساد. فمن بعد أن شفى نفس الرجل بمغفرة خطاياه، شفى جسده بكلمة أزالت شلله. فكان الحدث عمليّة خلق جديد بالكلمة: "مغفورةٌ لك خطاياك. قم احملْ فراشك وامشِ".
ونحن في زمن الصوم المقدّس، وقد عشناه إلى الآن أصوامًا وإماتات وأعمال محبّة ورحمة، ننطرح أمام المسيح الربّ، راجين شفاء نفوسنا من حالة الخطيئة بغفران من رحمته، وشفاء أجسادنا ببلسم نعمته ومحبّته. ومثل "الرجال الأربعة" نحمل بصلاتنا كلّ خاطئ ومريض.
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيّا الإلهيّة. فأحيّيكم جميعًا، وعلى الأخصّ الوفدَين الكبيرين: الأوّل، وفد الأخويّات برئاسة مرشدها سيادة المطران ميشال عون.
فنحيِّي مرشدها العام الأب ادمون رزق، ورئيسها المحامي جوزف عازار، وعمدتها، وجميع الأخويات، الكبار والشبيبة والطلائع والفرسان بأعضائها ورؤسائها وعمداتها ومرشديها المحلّيين.
تشارك هذه الأخويات في قداس اليوم تكريمًا لأمّنا وسيّدتنا مريم العذراء بمناسبة عيد بشارتها في الأمس، وهو عيد الأخويّات الذي تحتفل به منذ خمس وستّين سنة. وقد بدأته مع سلفنا المثلّث الرحمة البطريرك مار انطون بطرس عريضه.
إنّ الأخويّات الحاضرة معنا اليوم تمثّل الستّين ألف منتسب إلى الأخويّات على الأرض اللبنانيّة. وفي المناسبة، تطلق الرابطة في نهاية هذا القداس البشارة الالكترونيّة لنقل كلمة الله، عبر برنامج Application، إلى جميع المنضوين تحت لوائها.
إنّنا نشكر الله معكم على هبة الأخويات الثمينة التي تغني الكنيسة والحياة والرسالة في أبرشيّاتنا ورعايانا وتشكّل مدارس صلاة وإيمان، وخلايا حيّة لخدمة المحبة، ولشدّ أواصر الوحدة في الكنيسة والعائلة والمجتمع.
3. ونرحّب بالوفد الثاني، وهو النادي الثقافي الاجتماعي في كوكبا (قضاء حاصبيا الجنوب)، بمناسبة مرور خمسين سنة على تأسيسه. فيسعدنا أن نهنّئكم بهذا اليوبيل الذهبي، ونتمنّى للنادي المزيد من النجاح والازدهار.
إنّنا نحيّي رئيسه السيّد وليد جرجي عبّاس وأعضاء الهيئة الإداريّة وسائر المنتسبين إلى هذا النادي الزاهر. فنرجو لهم فيض الخير والنعم، وللنادي دوام التقدّم والازدهار، في نشاطه الثقافي والاجتماعي، وبخاصّة على مستوى الوحدة والتضامن الداخلي. ونحن ما زلنا نتذكّر زيارتنا الراعوية لرعيّة كوكبا العزيزة في 25 أيلول 2012، وافتتاح ساحة القدّيسة تريز الطفل يسوع. وإنّنا نشجّع الأهالي ونبارك مشروعهم ببناء مقام على اسم السيّدة العذراء، سيّدة حرمون، بتوجيه من سيادة راعي الأبرشية المطران شكرالله نبيل الحاج. وذلك انطلاقًا من التقليد التاريخي المتوارث الذي يقول بعادة زيارة الربّ يسوع وأمّه إلى أرضها، لوجود ذوي قربى فيها.
4. لقد تمّت آية شفاء المخلّع، نفسًا وجسدًا، في جوّ السماع لكلام الله، إذ احتشد الجمع الغفير لهذه الغاية. ولأنّ سماع كلام الله يولِّد الإيمان، والإيمان يولّد المحبة، آمن الرجال الأربعة بيسوع وبقدرته على شفاء المخلّع الذي في بلدتهم كفرناحوم. فذهبوا وأتوا به. وإذ لم يتمكّنوا من الدخول به إلى أمام يسوع بسبب كثرة الجمع، قاموا بمبادرة إيمانيّة عظيمة: صعدوا إلى السطح وثقبوه ودلّوا المخلّع، الممدّد على سريره، إلى أمام يسوع. لم يفوهوا بكلمة، ولم يرفعوا صلاة توسّل. لكن يسوع "عندما رأى إيمانهم" بادر المخلّع بشفاء شلل نفسه بمغفرة خطاياه، ثمّ شفاه من شلل جسده بكلمة.
5. إن الربّ بعمله الرّحوم والمحب يترك لكلّ مسؤول في الكنيسة والمجتمع والدولة مثالًا، ويوجّه نداءً لشفاء الأشخاص والجماعات من المعاناة التي تؤلمهم. في رسالتي الراعوية العامّة التي أصدرتُها أمس وهي بموضوع "خدمة المحبّة الاجتماعيّة"، رسمت الطريق الذي تسلكه كنيستنا المارونية على مستوى هذه الخدمة، لكي تضاعف جهودها ونشاطاتها الواسعة.
ونوجّه النداء اليوم إلى المسؤولين في الدولة اللبنانية، في البرلمان والحكومة والوزارات والإدارات العامّة والقضاء، ليبادروا إلى إنهاض شعبنا اللبناني من معاناته: الفقر والبطالة وقلّة فرص العمل والتجويع وضآلة المعيشة، وعبء التعليم والاستشفاء والسكن، وثقل الحرمان والظلم وانتهاك الحقوق، واستبداد النافذين، وفرض الخوّات.
هل يجب أن يستمرّ الشّعب اللبناني، بكل فئاته، في حالات تظاهر واعتصام وإضراب ليُسمع المسؤولين صوت معاناته؟ ولا من سميع ومجيب! لا يستطيع المسؤولون السياسيون القيام بأيّة مبادرة ما لم يتجرّدوا من مصالحهم ويتحرّروا من مكاسبهم، الّتي تأتي على حساب الخير العام ومال خزينة الدّولة. هذا هو مكمن فشل البرلمان والحكومة من إقرار قانون عادل وشامل وميثاقي للإنتخابات، وإصدار الموازنة وسلسلة الرّتب والرّواتب المرتبطتين بالإصلاح الإداري وإعادة مال الدّولة إلى الخزينة من براثن الفساد والمفسدين والتّهريب والهدر العشوائي وفقًا لمصالح ولمنافع النّافذين.
6. الرجال الأربعة يقدّمون لنا أمثولة في الإيمان ومثالاً. إيمانهم علامة ثقة بالمسيح وبقدرته، لا يخامرها أي شك؛ وعلامة رجاء أكيد لا يتزعزع؛ وعلامة حب كبير بلغ إلى التضحيّة بسطح البيت الّذي يمكن إصلاحه، فهو في خدمة الإنسان، لا الإنسان في خدمته. إنه إيمان يدلّ على قيمة الإنسان وحياته وحقّه بالصّحة الكاملة. وهذه أمثولة لعالم اليوم حيث يُستباح القتل والإعتداء على حياة الإنسان وجسده وكرامته وحقوقه.
فعل إيمانهم هو بالحقيقة صلاة صامتة، لا كلام فيها، بل ناطقة ومعبّرة بالأعمال. إنّها صلاة تشفّع من دون كلمات. هذه الصّلاة هي من صميم حياة الكنيسة والجماعة المؤمنة. الله يريدنا أن نصلّي بعضنا من أجل بعض.
7. هؤلاء الرجال الأربعة هم صورة الكنيسة التي تصلّي وتتشفّع، حاملة أبناءها وبناتها والعالم كلّه بصلاتها. هذا ما تفعله الجماعة المؤمنة الملتئمة للصلاة في الكنيسة أو في البيت أو في أي مكان آخر. هذا ما تفعله الأخويّات والمنظّمات الرسوليّة في صلواتها الجماعيّة الأسبوعية وتلك الافراديّة. هذه هي غاية صلوات الساعات التي يتلوها الكهنة والرّهبان والرّاهبات صباحًا وظهرًا ومساءً.
لكن ذروة صلاة الكنيسة هي الليتورجيّا الإلهيّة، ليتورجيا القدّاس الإلهي، وفيها ذبيحة المسيح المحاطة والمكلّلة بالصلوات والتضرّعات والتذكارات. من هذه الليتورجيا الإلهيّة تتفرّع سائر الصّلوات والإحتفالات الليتورجيّة الأسراريّة وغير الأسراريّة.
8. إنّ أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء، أمّ الكلمة، هي المثال الأكمل في سماع كلام الله والعمل بموجبه. لقد سمعت الكلمة من فم مَن هو الكلمة الذي صار فيها بشرًا متجسّدًا من الروح القدس. وقبلتها بالطاعة لتصميم الله الخلاصي. وعندما سمعتها من جبرائيل الملاك في البشارة، قالت "نعم" بطاعة الإيمان، وظلّت وفيّة لكلمتها وطاعتها حتى الوقوف تحت أقدام الصليب، وابنُها معلّق عليه، من دون أن تشكّ، ولو للحظة، بأن كلام الله سيتمّ في أوانه. تمامًا كما امتدحتها إليصابات: "طوبى لتلك التي آمنت أن ما قيل لها من قبل الرب سيتمّ" (لو1: 45).
في عيد بشارتها، تدعونا أمّنا السماوية بمَثَلها للصمود بوجه الصعوبات والمحن، أيّة كانت، متّكلين على الكلمة الإلهيّة من فم المسيح الربّ: "سيكون لكم في العالم ضيق. لكن، ثقوا، تقوَّوا، أنا غلبتُ العالم" (يو16: 33).
بهذه الثقة نرفع صلاتنا إلى أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء، مع أخويّاتنا:
"أيّتها البتول مريم، يا مَن قبلتِ بشارة الملاك وحملتِ المخلّص الفادي، رافقي الأخويات في لبنان بمسيرة الحجّ نحو ابنكِ يسوع.
أنتِ يا من عطَّرتِ المسكونة برائحة المسيح الطيّبة، إجعلي منّا نفحةَ المسيح في هذا العالم، فنمجّد الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
موقع بكركي.