شارك قداسة البابا فرنسيس ظهر الجمعة بالتوقيت المحلّي في لقاء مسكوني وما بين الأديان في حديقة مبنى الأسقفيّة في دكا، وبعد التحيات التي ألقاها ممثلو مختلف الجماعات الدينيّة وجّه الأب الأقدس كلمة قال فيها:
يشكّل لقاؤنا الذي يجمع ممثلين عن مختلف الجماعات الدينية في هذه البلاد وقفة مهمّة من زيارتي إلى بنغلادش. لقد اجتمعنا لنعمّق صداقتنا ونعبِّر عن رغبتنا المشتركة في عطيّة سلام حقيقيّ وثابت.
ليكن لقاؤنا هذا علامة واضحة لجهود قادة وأتباع الديانات الحاضرة في هذا البلد ليعيشوا معًا في الاحترام المتبادل والإرادة الصالحة؛ وفي بنغلادش، حيث يشكّل حقُّ الحريّة الدينيّة مبدأ أساسيًّا، ليكن هذا الالتزام تذكيرًا محترمًا وحازمًا لمن يُحرِّض على الانقسامات والحقد والعنف باسم الدين.
إنها علامة مُشجِّعة في زمننا للمؤمنين والأشخاص ذوي الإرادة الصالحة الذي يشعرون أكثر فأكثر بأنّهم مدعوون للتعاون في التنشئة على ثقافة اللقاء والحوار والتعاون في خدمة العائلة البشريّة. هذا الأمر يتطلَّب أكثر من التسامح، ويحثّنا لنمدَّ يدنا إلى الآخر في موقف ثقة متبادلة وتفهُّم من أجل بناء وحدة تشمل الإختلاف كمصدر للغنى والنمو؛ يحثنا أيضًا على تعزيز انفتاح قلب بشكل يجعلنا نرى الآخرين كطريق لا كعائق.
إسمحوا لي أن أستعرض باختصار بعض الميزات الأساسيّة لانفتاح القلب هذا، الشرط لثقافة اللقاء. أولاً هو باب يسمح لنا بالمبادرة بحوار حياة وليس بمجرّد تبادل أفكار بسيط، ويتطلّب منا إرادة صالحة واستقبال. وبالتالي فالالتزام المثمر مع الآخر يعني أن نتقاسم هويّاتنا الدينيّة والثقافيّة المختلفة بتواضع وصدق واحترام. يشبه إنفتاح القلب أيضًا السُلَّم الذي يبلغ المطلق؛ وإذ نتذكّر هذا البعد السامي لنشاطاتنا ندرك ضرورة تنقية قلوبنا بشكل يسمح لنا برؤية جميع الأمور في منظارها الحقيقي.
انفتاح القلب هو أيضًا مسيرة تقود إلى البحث عن الصلاح والعدالة والتضامن، وإلى البحث عن قريبنا. في رسالته إلى مسيحيي روما يحثّهم القديس بولس قائلاً: "لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغلِبُكَ، بلِ اغلِبِ الشَّرَّ بِالخير"، إنّه موقف يمكننا جميعًا أن نقتدي به. إنَّ الاهتمام الديني لصالح قريبنا والمنبثق من قلب منفتح يتدفَّق كنهر كبير يسقي الأراضي القاحلة والمقفرة للحقد والفساد والفقر والعنف التي تؤذي الحياة البشريّة وتقسّم العائلات وتشوِّه عطيّة الخليقة.
إنَّ روح الانفتاح والقبول والتعاون بين المؤمنين لا يساهم فقط بثقافة تناغم وسلام، بل هو قلبها النابض. ما أحوج عالمنا لهذا القلب الذي ينبض بقوّة لكي يتصدّى لفيروس الفساد السياسي والإيديولوجيات الدينية المدمِّرة وتجربة إغلاق العيون إزاء حاجات الفقراء واللاجئين والأقلّيات المُضطهدة والأشدَّ ضعفًا.
أيّها الأصدقاء الأعزاء، أشكركم على جهودكم في تعزيز ثقافة اللقاء وأصلّي لكي، ومن خلال إظهار الالتزام المشترك لأتباع الديانات في تمييز الخير وتطبيقه، نساعد جميع المؤمنين على النمو في الحكمة والقداسة والتعاون في سبيل بناء عالم أكثر إنسانيّة موحَّدًا ومسالمًا.
إذاعة الفاتيكان.