مثلان بسيطان ومستحيلان

متفرقات

مثلان بسيطان ومستحيلان

 

 

مثلان بسيطان ومستحيلان

 

 

ملح الأرض ونور العالم تشبيهان استعملهما يسوع وشاعا بين المسيحيّين، حتّى إنّنا قلّما نجد مسيحيًّا لا يعرفهما، مهما بلغت ضآلة معارفه الدينيّة.

 

ولكن هل نستطيع بدون صعوباتٍ جمّة أن نكون ملح الأرض ونور العالم؟

 

الملح ليس ضروريًّا للطعام. هذه أولى الصعوبات، أن أشعر بأنّني لستُ ضروريًّا، وأنّ الكرة الأرضيّة ستتابع دورانها بدوني. الملح هو ما يعطي الطعام نكهة، مذاقـًا، طعمًا يشير إلى حضوره بطريقةٍ إيجابيّة. بدونه يفقد الطعم روعة مذاقه. فالمسيحيّون الّذين يعيشون في مجتمعاتٍ بدون أن يكون لحضورهم معنى، ولا أن يشعر الآخرون إيجابيًّا بهم، ولا يكون لغيابهم أثر، ليسوا ملحًا في هذه الأرض.

 

كيف يمارس الملح أثره في الطعام؟ بالذوبان، بالاندماج، بالامّحاء في سبيل الخير العامّ. إنّها الصّعوبة الثانية. فالعمل المسيحيّ الذي يسعى إلى البروز أو التمايز، أو التقوقع، أو حتّى التعالي، هو ملح فاسد، رديء. إنّه يبقى متكتّلاً في الطعام. وحين يدخل الفم سيلفظه اللسان.

 

الملح المتحجّر، الذي يرفض الذوبان والاندماج، ويخاف أن يلغي الطعام هويّته، يُطرَحُ في خارج الدار. مَن يستطيع أن يلغي هويّة الملح إذا كان ملحًا حقيقيًّا؟ ولمَ يخاف الملح من هذا الإلغاء؟ أليس لأنّه يفقد الثقة بنفسه، ويعاني ضعفـًا في إيمانه؟

 

أمّا النّور، فأمره مختلف. إنّ دعوة النّور هي الإشعاع. وكيف يشعّ إذا لم يوجّه أشعّته إلى الآخرين برفقٍ ولين؟ النّور المبهر مؤذٍ ويعمي العينين، ويولّد لدى المستنيرين به ردّ فعلٍ عنيفٍ يصل إلى محاولة إطفائه. والنّور الخافت يثير الضيق أيضًا، ويدفع النّاس إلى الاستغناء عنه. فإذا أردنا أن نكون نورًا للآخرين، علينا أن نتمتّع بحكمة الإضاءة.

 

النّور عطاء دائم، عطاء مجّانيّ، عطاء لا ينتظر نتائج ولا شكر. ما عليه أن يفعله هو أن يُنير. مَن منّا ينظر إلى المصباح قبيل مغادرته الغرفة ويقول له: شكرًا لأنّك أنرتني؟ ومع ذلك يظلّ النّور وفيًّا لرسالته، ومستعدًّا لأن ينير في كلّ مرّة.

 

أنتم ملح الأرض. فكونوا مستعدّين للانفتاح، للذوبان، للاتّصال بالآخرين. تفادوا التقوقع والإنعزال. أنتم نور العالم. كونوا لطفاء في تعاملكم وفي نصائحكم وأقوالكم. تفادوا الخشونة.

 

وكونوا في الآن نفسه جريئن ولا تستحوا من إيمانكم. ولا يمكننا في عرضنا لهاتين الاستراتيجيّتين: الملح والنّور، سوى أن نتذكّر وصيّة القدّيس بطرس في رسالته الأولى: «كونوا دائِمًا مُستَعِدِّينَ لأَن تَرُدُّوا على مَن يَطلُبُ مِنكم دَليلَ ما أَنتم علَيه مِنَ الرَّجاء، ولكِن لِيَكُنْ ذلك بِوَداعَةٍ ووَقار، وليَكُنْ ضَميرُكم صالِحًا، فإِذا قالَ بَعضُهم إِنَّكم فاعِلو شرّ، يَخْزى الَّذينَ عابوا حُسْنَ سِيرَتِكم في المسيح.

 

فخَيرٌ لَكم أَن تتأَلَّموا وأَنتُم تعمَلونَ الخَيْر، إِن شاءَ اللهُ ذلك، مِن أَن تتأَلَّموا وأَنتُم تعمَلونَ الشَّرّ» (1بط 3/ 15 - 16).

 

 

 

الأب سامي حلاق اليسوعي.