"علينا أن نعتني بالأشخاص الجرحى على مثال السامري الصالح" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الاثنين في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان وحثَّ المؤمنين على التخفيف عن المحتاجين على مثال المسيح الذي لا زال يدفع من أجلنا.
استهلَّ الأب الأقدس عظته انطلاقًا من إنجيل القديس لوقا (10/ 25 -37) حول مثل السامري الصالح الذي، وعلى عكس الكاهن واللاوي، توقّف ليساعد الرجل الجريح الذي َوقَعَ بِأَيدي اللُّصوص الذين عَرَّوهُ وَانهالوا عَلَيهِ بِالضَّرب وتَركوهُ بَينَ حَيٍّ وَمَيت.
إن مثل السامري الصالح هو الجواب الذي أعطاه يسوع لعالم الشريعة الذي أراد أن يحرجه فسأله "ماذا أَعملُ لأرِثَ الحياةَ الأَبَدِيَّة؟"، فجعله يسوع يجيب بوصيّة المحبّة نحو الله والقريب: " أَحبِبِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ، وَكُلِّ نَفسِكَ، وَكُلِّ قُوَّتِكَ، وَكُلِّ ذِهِنكَ، وَأَحبِب قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ" وإذ كان لا يعرف كيف يخرج من الفخ الذي نصبه له يسوع، َأَرادَ أَن يُزَكِّيَ نَفسَهُ فَقالَ لِيَسوع: "وَمَن قَريبي؟"، أجابه عندها يسوع بهذا المثل.
نجد في المثل ست شخصيات: اللصوص، الرجل الجريح وعلى شفير الموت، الكاهن واللاوي، صاحب الفندق والسامري وهو وثني لا ينتمي إلى الشعب اليهودي. إن يسوع يجيب على الدوام بأسلوب "أسمى" وفي هذه الحالة أجاب من خلال مثل أراد من خلاله أن يشرح سرَّه: سرُّ يسوع.
رحل اللصوص فرحين لأنّهم كانوا قد سرقوا ممتلكاته ولم يهتمّوا لحياته.
أما الكاهن، والذي يُفترض أن يكون رجل الله واللاوي الذي كان شخصًا يعيش ما تفرضه الشريعة فقد مالا عن هذا الرجل الجريح المشرف على الموت ومضيا: إنّه موقف قد أصبح عاديًّا جدًّا بيننا: نرى كارثة طبيعيّة أو أمرًا سيئًا فنميل عنه ونمضي، أمّا هذا الوثني الخاطئ وإذ كان مُسافِرًا، َرَآهُ فَأَشفَقَ عَلَيه ودَنا مِنهُ وَضَمَّدَ جِراحَهُ، وَصَبَّ عَلَيها زَيتًا وَخَمرًا، وبعد ذلك لم يتركه بل حَمَلَهُ عَلى دابَّتِهِ وَذَهَبَ بِهِ إِلى فُندُقٍ وَاعتَنى بِأَمرِهِ. وَفي الغَدِ، إذ كان عليه أن يذهب لمتابعة أعماله، أَخرَجَ دينارَين، وَدَفَعَهُما إِلى صاحِبِ الفُندُق، وَقال: "اعتَنِ بِأَمرِه، وَمَهما أَنفَقتَ زيادةً عَلى ذَلِك، أُؤَدِّيَهِ أَنا إِلَيكَ عِندَ عَودَتي".
هذا هو سرُّ المسيح الذي صار عبدًا وواضع ذاته حتى الموت. بهذا السرّ يجيب يسوع على عالم الشريعة الذي أراد أن يوقع به. يسوع هو السامري الصالح ويدعو ذلك الرجل كي يتصرّف مثله؛ وبالتالي هذه ليست قصّة للأطفال وإنما سرُّ يسوع المسيح.
بالتأمُّل بهذا المثل يمكننا أن نفهم بشكل أكبر عمق سرّ يسوع المسيح ووسعه. رحل عالم الشريعة بدون أن يتفوّه بكلمة، وبدون أن يفهم سرّ المسيح، لكنّه قد يكون قد فهم ذلك المبدأ البشريّ الذي يقرِّبنا من فهم سرِّ المسيح.
بعدها توقّف الأب الأقدس عند شخصيّة صاحب الفندق الذي لم يفهم شيئًا ولكنه دُهش وقال إنها دهشة اللقاء بشخص يقوم بأعمال لم يسبق له أن سمع عن أحد يقوم بها، وبالتالي دهشة صاحب الفندق هي اللقاء بيسوع؛ وفي هذا السياق حثَّ البابا المؤمنين على قراءة الفصل العاشر من إنجيل القديس لوقا وعلى مساءلة ذواتهم:
"ماذا أفعل في حياتي؟ هل أنا لص مخادع وفاسد؟ أم أنني الكاهن الذي يرى ويميل ثمّ يمضي؟ أم مسؤول كاثوليكي يتصرَّف على هذا النحو أيضًا؟ أم أنا خاطئ يجب أن يُحكم عليه بسبب خطاياه ولكنني أقترب من الشخص المعوز وأعتني به؟ كيف أتصرّف إزاء الأشخاص الجرحى الذين التقي بهم يوميًّا؟ هل أتصرّف على مثال يسوع؟ هل آخذ صورة العبد؟".
سيساعدنا أن نقوم بهذا التأمُّل من خلال قراءتنا لهذا النص الذي فيه يظهر سرّ المسيح الذي وبالرغم من كوننا خطأة جاء إلينا ليشفينا ويعطينا الحياة.
إذاعة الفاتيكان.