"لا ينبغي أن نحول البشارة إلى وظيفة أو إلى مجرّد أمر عابر" هذه هي الدعوة التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس، وأكّد على أهميّة الشهادة في حياة المسيحيين كما وحذّر من تجربة الاقتناص والإقناع بقوّة الكلام.
ما هي البشارة وكيف نقوم بها؟ استهل الأب الأقدس عظته انطلاقًا من رسالة القدّيس بولس الأولى إلى أهل كورنتس ليطرح تساؤلات حول معنى تقديم الشهادة للمسيح، وتوقّف بشكل خاص عند ما ليس هو البشارة أي تحويلها إلى مجرّد وظيفة.
ولكن للأسف، نرى اليوم أيضًا مسيحيين يعيشون الخدمة كوظيفة، كهنة وعلمانيون يتباهون بما يفعلونه، هذا هو التباهي أن نحوّل الإنجيل إلى مجرّد وظيفة ودافع للتبجُّح: كمن يقول أنا ذاهب لأُبشر أو ألقيتُ اليوم عظةً في الكنيسة أمام العديد من الأشخاص. حتى الاقتناص هو نوع من التباهي. البشارة ليست اقتناصًا، البشارة هي ما يقوله القديس بولس: " إِذا بَشَّرتُ، فَلَيسَ في ذَلِكَ لي مَفخَرَة، لأنَّها فَريضَةٌ لا بُدَّ لي مِنها، وَالوَيلُ لي إِن لَم أُبَشِّر!". لذلك، يجب على كلِّ مسيحيٍّ وبهذه القوّة عينها التي تنبع من القلب أن يحمل اسم يسوع.
لا يمكن لإعلان الإنجيل أن يكون مفخرة، لأنه وكما يقول لنا القديس بولس هو "فريضة"! ولكن ما هو إذًا أسلوب البشارة تابع البابا متسائلاً، وكيف يمكنني أن أتأكّد من أنني لا أقوم بأمر عابر أو بأنني أستعمل أسلوب الاقتناص أو أنني أحول البشارة إلى مجرّد وظيفة؟ الأسلوب هو أن نصير كلاً للكُلّ، الأسلوب إذا هو الانطلاق لمشاركة حياة الآخرين ومرافقتهم في مسيرة الإيمان ومساعدتهم لينموا في هذه المسيرة.
ينبغي علينا إذًا أن نضع أنفسنا مكان الآخر أي أن أقترب منه إن كان مريضًا بدون أن أخنقه بالمواضيع يكفي أن أقترب منه وأساعده. إن البشارة تتم من خلال موقف الرحمة هذا أن نصير كُلاً للكُلّ، هذه هي الشهادة التي تحمل الكلمة. وذكّر الأب الأقدس في هذا السياق بسؤال وجّهه إليه أحد الشباب الذين تناولوا معه طعام الغداء في كراكوفيا خلال الأيام العالمية للشباب إذ سأله عما ينبغي عليه أن يقوله لصديقه الحميم المُلحد.
إنه سؤال جميل! لأننا جميعًا نعرف أشخاصًا قد ابتعدوا عن الكنيسة فماذا ينبغي علينا أن نقول لهم؟ وبالتالي فقد أجبته على هذا النحو: إسمع! إن آخر أمر ينبغي عليك فعله هو الكلام! إبدأ بالتصرُّف وعندما سيرى ما تفعله ويسألك فعندها تُجيبه! البشارة هي هذه الشهادة: أنا أعيش بهذه الطريقة لأنني أؤمن بيسوع المسيح؛ أنا أولّد في نفسك حشريّة السؤال: "لماذا تقوم بهذه الأمور؟" لأنني أؤمن بيسوع المسيح وأعلنه وليس بالكلمة فقط وإنما من خلال حياتي أيضًا. هذه هي البشارة ونحن نقدّمها بمجّانيّة لأننا قد نلنا الإنجيل بمجانيّة أيضًا وبالتالي لا يمكننا أن نشتري أو نبيع النعمة والخلاص لأنهما مجانيين وينبغي علينا أن نعطيهما بمجانيّة!
هذا وذكّر البابا فرنسيس بالقديس بييترو كلافر الذي تحتفل الكنيسة اليوم بتذكاره وقال إنه مرسل ذهب بعيدًا ليعلن الإنجيل، ربما كان يعتقد أن مستقبله سيقوم على الوعظ والتعليم ولكن الرب طلب منه أن يكون قريبًا من مهمّشي ذلك العصر من العبيد الذين كانوا يصلون إلى هناك من أفريقيا ليُباعوا. هذا الرجل لم يقم بأمر عابر وقال إنه كان يُبشّر كما وأنّه لم يحوّل البشارة إلى مجرّد وظيفة أو اقتناص بل أعلن يسوع المسيح من خلال تصرُّفاته من خلال حديثه مع العبيد والعيش معهم ومثلهم! وعلى مثاله نجد العديد من الأشخاص في الكنيسة! كثيرون قد بذلوا أنفسهم ليعلنوا يسوع المسيح.
ونحن أيضًا، جميعنا أيّها الإخوة والأخوات من واجبنا أن نبشّر ولكن هذا لا يعني أن أذهب لأقرع على أبواب بيوت جيراني وأقول لهم: "المسيح قام!" لا ! البشارة هي عيش الإيمان والتحدث عنه بوداعة ومحبّة بدون أي رغبة بإقناع أحد وبمجانيّة، البشارة هي أن أُعطي مجانًا ما نلته من الله مجانًا!
إذاعة الفاتيكان.