ما هو اللقاح الذي يمكننا أن نعطيه إزاء فيروس اللامبالاة؟

متفرقات

ما هو اللقاح الذي يمكننا أن نعطيه إزاء فيروس اللامبالاة؟

 

 

 

ما هو اللقاح الذي يمكننا أن نعطيه إزاء فيروس اللامبالاة؟

 

 

 

استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الإثنين في القصر الرَّسوليّ بالفاتيكان المشاركين في مؤتمر حول مسؤوليّة الحكومات والمؤسَّسات والأفراد في مكافحة معاداة السَّاميّة والجرائم المتعلِّقة بالحقد المعادي للساميّة؛ وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال:

 

أنا ممتنٌّ للهدف الشّريف الذي يجمعكم: التأمُّل معًا، من وجهات نظر مختلفة، حول مسؤوليّة الحكومات والمؤسَّسات والأفراد في مكافحة معاداة السَّاميّة والجرائم المتعلِّقة بالحقد المعادي للساميّة، وأريد أن أسلِّط الضّوء على كلمة مسؤوليّة.

 

أن نكون مسؤولين يعني أن نكون قادرين على الإجابة. ليس الأمر مسألة تحليل لأسباب العنف ورفض منطقها الفاسد وإنّما الاستعداد والفعّاليّة في الإجابة عليها. وبالتالي فالعدو الذي ينبغي علينا أن نكافحه ليس الحقد في جميع أشكاله وحسب وإنّما جذوره أيضًا: اللامبالاة، لأنَّ اللامبالاة هي التي تشلُّنا وتمنعنا من القيام بما هو صحيح حتى عندما نعرف أنّه صحيح.

 

لا أتعب من التكرار أنَّ اللامبالاة هي فيروس يعدي زمننا، زمن نحن مُتَّصلين فيه مع الآخرين بشكل أكبر ولكنّنا أقل تنبُّه لهم. ومع ذلك ينبغي على الإطار المعولم أن يساعدنا لنفهم أن لا أحد منّا هو جزيرة وأنّه لن يكون هناك مستقبل سلام لأحد بدون مستقبل كريم للجميع.

 

يساعدنا سفر التكوين لنفهم أنَّ اللّامبالاة هي مرض خبيث رابض على الدوام عند باب الإنسان. إنّه موضوع النقاش بين الخليقة والخالق منذ بداية التاريخ، عندما سأل الله قايين: "أين أخوك؟". لكن قايين الذي كان قد قتل أخاه لم يُجب على السؤال ولم يشرح الـ"أين" بل على العكس طالب باستقلاليّته: "أحارس أنا لأخي؟". لا يهمّه أخاه: هذه هي الجذور الفاسدة، جذور موت تولِّد اليأس والصّمت. أذكر هذا الصّمت القويّ الذي شعرت به في زيارتي إلى أوشفيتز- بيركناو: صمت مقلق يترك المجال فقط للدّموع والصّلاة وطلب المغفرة.

 

 ما هو اللّقاح الذي يمكننا أن نعطيه إزاء فيروس اللّامبالاة؟ يساعدنا في هذا الأمر سفر تثنية الإشتراع. بعد مسيرة طويلة في الصّحراء، وجّه موسى للشعب توصية أساسيّة: "وتتذكر كلّ الطريق..." (تثنية ٨، ٢). للشعب الذي كان يتوق للمستقبل الذي وُعد به، تقترح الحكمة أن ينظر إلى الوراء ويوجّه نظره إلى الخطوات التي تمّ القيام بها. وموسى لم يقل "فكّر بالمسيرة" وإنّما تذكّر أي "عُد إلى الوراء بقلبك"، لا تتذكّر بعقلك فقط وإنّما بعمق نفسك وبكلِّ كيانك أيضًا؛ ولا تتذكّر فقط ما يعجبك وإنّما المسيرة بأسرها.

 

لقد احتفلنا منذ أيّام بـ"يوم ذكرى المحرقة النازيّة". لكي نستعيد إنسانيّتنا وفهمنا البشريّ للواقع ونتخطّى العديد من أشكال اللّامبالاة تجاه القريب نحن بحاجة لهذه الذكرى وهذه القدرة على الالتزام معًا في التذكّر. إنّ الذكرى هي مفتاح الدّخول إلى المستقبل ومسؤوليتنا هي أن نسلّمها للأجيال الشابة بشكلٍ كريم.

 

 أودُّ بهذا الصدَّد أن أذكر وثيقة للجنة العلاقات الدينيّة مع اليهود والتي تصادف هذا العام الذكرى العشرين على صدورها. عنوانها: "نحن نذكر: تأمل حول المحرقة النازية" (١٦ آذار ١٩٩٨). لقد تمنى القدِّيس يوحنّا بولس الثاني أن نسمح للذكرى بأن تقوم بدورها الضروريّ في عمليّة بناء مستقبل لا تتكرّر فيه شرور المحرقة النازيّة. يتحدّث النصّ عن هذه الذكرى التي وكمسيحيِّين قد دُعينا للحفاظ عليها مع إخوتنا اليهود؛ ليست مجرّد مسألة عودة إلى الماضي؛ وإنّما يطلب منّا المستقبل المُشترك لليهود والمسيحيِّين أن نتذكّر، لأنّه لا مستقبل بدون الذكرى.

 

 لكي نبني تاريخنا نحن بحاجة لذكرى مشتركة حيّة وواثقة لا تبقى محبوسة في الندم وإنّما وبالرُّغم من ليل الألم الذي يعبرها تنفتح على رجاء فجر جديد. إنّ الكنيسة ترغب بأن تمدَّ يدها وأن تتذكّر وتسير في هذه المسيرة "إنَّ الكنيسة التي تشجب الاضطهادات كلّها ضدّ النّاس أيًّا كانوا، تتأسَّف للبغضاء وللاضطهادات ولكلِّ مظاهر مقاومة السامية التي استهدفت اليهود في أي زمن كان وأيًّا كان مقترفوها. والكنيسة لا تدفعها في ذلك الدوافع السياسيّة بل محبّة الإنجيل الدينيَّة متذكّرة التراث المشترك مع اليهود." (المجمع الفاتيكاني الثاني، البيان "في عصرنا"، عدد ٤).

 

 أيّها الأصدقاء الأعزّاء لنساعد بعضنا البعض لنخمِّر ثقافة مسؤوليّة وذكرى وقرب ونقيم عهدًا ضدّ اللّامبالاة وضدّ كلِّ لامبالاة. ستساعدنا بالتأكيد قوّة المعلومات وإنّما الأهمّ هي التنشئة؛ لذا من الملحِّ أن نربِّي الأجيال الشابة على الالتزام بشكلٍ فعّال في الكفاح ضدّ الحقد والتمييز، وإنّما أيضًا في تخطّي تناقضات الماضي وعدم التعب من البحث عن الآخر. في الواقع، لكي نعدَّ مستقبلاً إنسانيًّا لا يكفي أن نرفض الشرّ وإنّما يجب أن نبني الخير معًا.   

 

 

إذاعة الفاتيكان.