"الصوم الحقيقي هو مساعدة القريب أمّا الصوم المزيَّف فهو يمزج بين التديُّن والأعمال الدنيئة ومغريات الكبرياء" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الجمعة في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان.
قال الأب الأقدس إن القراءات التي تقدّمها لنا الليتورجية اليوم تحدثنا عن الصوم أي عن التوبة التي دُعينا إليها في زمن الصوم هذا كي نقترب من الرب. يقول لنا المزمور(50 (51) 3/ 4 -5 -a6 -18 18 -19) "أَلقَلبُ الخاشِعُ المُتَواضِعُ لا يَرذُلُهُ الله"، فالله يحب القلب التائب لأنّه يشعر ويعرف بأنّه خاطئ. أما في القراءة الأولى التي تقدّمها لنا الليتورجية من سفر النبي أشعيا نسمع توبيخ الله للمرائين الذين يعيشون تديُّنًا زائفًا فيصومون فيما يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة ويُسخِّرون عمّالهم، يقومون بأعمال توبة من جهة فيما يظلمون الآخرين من جهة أخرى ولذلك يقول لهم: "إنَّكم في يَومِ صَومِكم تَجِدونَ مَرامَكم وتُسَخِّرونَ جَميعَ عَمَلَتكم. إِنَّكم لِلخُصومةِ والمُشاجَرَةِ تَصومون ولِتَضرِبوا بِلَكمَةِ النِّفاق". إن الرب يطلب صومًا حقيقيًّا، ذاك الصوم المتنبّه للقريب.
إن صوم المرائين – وهذه الكلمة التي يستعملها يسوع – هو صوم من يحب أن يُظهر نفسه للآخرين بارًا ولكنّه من جهة أخرى يقوم بأعمال ظالمة ويستغل الناس. قد يقول لي أحدكم: "أنا سخيٌّ جدًّا وسأقدِّم هبة كبيرة للكنيسة!" ولكن هل تدفع لعمالك ما يستحقّونه؟ هل تدفع لموظّفيك بشكل غير شرعي أم بحسب ما يقتضيه القانون لكي يتمكنوا من توفير الغذاء لأبنائهم؟
بعدها تحدث الأب الأقدس عن أمر حدث فورًا بعد نهاية الحرب العالميّة الثانيّة مع الأب اليسوعي بيدرو أرّوبيه عندما كان مُرسلاً في اليابان وقال جاء في أحد الأيام إليه رجل أعمال غني جدًّا وقدّم له هبة من أجل نشاطه الإرسالي أمام الصحافي والمصوّر اللذين كان قد أحضرهما معه ولكن المغلّف كان يحتوي فقط على عشرة دولارات.
هذا ما نفعله نحن أيضًا عندما لا ندفع لموظفينا الأجر الذي يستحقّونه. نحن نقوم بالإماتات ونصلّي ونصوم ونتصدّق من أجل أمر واحد: من أجل الكبرياء ولكي يرانا الآخرون، وهذا الأمر ليس أصالة بل رياء ولذلك ينبّهنا يسوع قائلاً: "مَتَى صَلَّيْتُم، لا تَكُونُوا كَالمُرائِين، فَإِنَّهُم يُحِبُّونَ الصَّلاةَ وُقُوفًا في المَجَامِع، وفي زَوايا السَّاحَات، لِكَي يَظْهَرُوا لِلنَّاس.... أَمَّا أَنْتَ، مَتَى صَلَّيْتَ، فَٱدْخُل مُخدَعَكَ وأَغلِق بَابَكَ، وصَلِّ لأَبِيكَ في الخَفَاء، وأَبُوكَ الَّذي يَرَى في الخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيك. ومَتَى صَنَعتَ صَدَقَة، لا تَنفُخ أَمَامَكَ في البُوق، كمَا يَفعَلُ المُراؤُونَ في المَجَامِع، وفي الشَّوَارِع، لِكَي يُمَجِّدَهُمُ النَّاس... أَمَّا أَنتَ، مَتَى صَنَعتَ صَدَقَة، فَلا تَعَلم شِمَالُكَ مَا تَصنَعُ يَمِينُكَ، لِتَكُونَ صَدَقَتُكَ في الخَفَاء، وأَبُوكَ الَّذي يَرَى في الخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيك".
الصوم الحقيقي الذي يريده الله منا والذي يذكّرنا به النبي أشعيا في قراءة اليوم وقال: "أَلَيسَ هذا هو الصَّومُ الَّذي آثَرتَهُ؟ حَلُّ قُيودِ النِّفاق وفَكُّ رُبُطِ النِّير وإِطلاقُ المَضغوطينَ أَحرارًا، وَكَسرِ كُلِّ نير؟ أَلَيسَ هو أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ المَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُريانَ أن تَكسُوَه وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ؟ حينَئِذٍ يَتَبَّلَّجُ كالصُّبحِ نورُكَ، وَتُزهِرُ عافِيَتُك سَريعاً، ويَسيرُ بِرُّكَ أَمامَكَ، ومَجدُ الرَّبِّ يَجمعُ شَملَكَ". وختم البابا عظته بالقول لنفكّر بهذه الكلمات ولنتأمّل بها في قلبنا وليسأل كل منا نفسه كيف يصوم وكيف يصلّي ويتصدّق.
إذاعة الفاتيكان.