"لنطلب من الرّبّ فضيلة الصبر؛ صبر من يسير ويحمل على كتفيه صعوبات ومِحن، كالعديد من إخوتنا المسيحيِّين المُضطهدين في الشّرق الأوسط" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح يوم الإثنين في كابلة بيت القدِّيسة مرتا بالفاتيكان.
استهلَّ الأب الأقدس عظته انطلاقًا من رسالة القدِّيس يعقوب (1/1 -11) وبالتحديد من ما يكتبه الرَّسول: "أَنتُم تَعلَمونَ أَنَّ امتِحانَ إيمانِكُم يَلِدُ الصَّبر"، وقال لكن ما معنى أن نكون صبورين في الحياة وإزاء المِحَن؟ إنّه بالتأكيد أمر لا يسهل فهمه، وبالتالي ميَّز البابا في هذا الإطار بين الصبر المسيحيّ والاستسلام أي موقف الفشل مؤكِّدًا أنَّ الصبر هو فضيلة الشّخص الذي يسير لا الشّخص الذي يراوح مكانه وينغلق على ذاته.
عندما نسير نتعرَّض لأمور لا تكون جيِّدة على الدوام؛ وبالتالي يعلِّمني كثيرًا حول الصّبر كفضيلة من يسير، موقف الأهل عندما يُرزقون بطفل مريض أو يحمل إعاقة ما ويقولون "نشكر الله أنّه حي!": هؤلاء هم الصّبورون؛ ويحملون ذلك الابن بمحبَّة وحتى النهاية طول حياتهم. وليس أمرًا سهلاً أن يحمل والدان ابنًا مريضًا لسنوات... لكن فرح وجود هذا الابن يعطيهما القوّة ليسيرا قدمًا وبصبر لا باستسلام.
إنَّ كلمة صبر تحمل أيضًا معنى المسؤوليّة لأنَّ الشّخص الصّبور لا يهرب من الألم بل يحمله بفرح كما يقول القدِّيس يعقوب "بفرح كامل". الصبر يعني أن نحمل مشاكلنا بأنفسنا ولا أن نكلها لأحد آخر؛ "إنّها مشكلتي، قد تجعلني أتألّم لكنّني أحملها. الصبر هو أيضًا أن نعرف كيف نتحاور مع المحدوديّة؛ هناك محدوديّات عديدة في الحياة لكنّ الشّخص القليل الصبر لا يريد المحدوديّة لا بل يتجاهلها لأنّه لا يعرف كيف يتحاور معها.
لكنَّ الصبر الذي يتحدّث عنه القدِّيس يعقوب ليس مجرَّد نصيحة للمسيحيِّين. إن نظرنا إلى تاريخ الخلاص يمكننا أن نرى صبر الله أبانا الذي قاد شعبه العنيد قدمًا الذي كان يتركه في كلِّ مرَّة ليعبد آلهة أخرى. الصبر هو أيضًا الموقف الذي يرافق الآب من خلاله كلّ فرد منّا وينتظره ويحترم أوقاته، الله الذي أرسل ابنه لكي يدخل في مسيرة الصبر ويقبل رسالته ويقدِّم ذاته بحزم للآلام.
أُفكِّر بإخوتنا المُضطهدين في الشّرق الأوسط الذين يُطردون لأنَّهم مسيحيِّين... وهم فخورون بذلك: دخلوا في الصّبر على مثال الرَّب؛ بهذه الأفكار يمكننا أن نرفع صلاتنا اليوم من أجل شعبنا: "يا ربّ أعطِ شعبك الصبر ليتحمّل المحن" ولنرفع الصَّلاة من أجلنا أيضًا لأنّنا كثيرًا ما نكون قليلي الصَّبر وعندما لا تسير الأمور كما نريد نصرخ ونتذمّر... لنتوقّف ولنفكِّر بصبر الله الآب وندخل في الصَّبر على مثال يسوع. الصَّبر هو فضيلة جميلة جدًّا وعلينا أن نطلبها من الرَّبّ!
إذاعة الفاتيكان.