استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الجمعة في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في مؤتمر دولي حول كرامة القاصرين في العالم الرقمي وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال
إن الاعتراف بكرامة كل شخص بشريّ والدفاع عنها هما أساس ومبدأ كل نظام إجتماعي وسياسي مستقيم؛ والكنيسة قد اعترفت أيضًا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان كحجر الزاوية على درب تقدّم البشريّة الأخلاقي. وعلى هذه المبادئ نتّفق بشكل كامل وثابت وعلى أساسها علينا أن نعمل بتوافق متبادل.
يحدّثنا الكتاب المقدّس عن الشخص البشري الذي خلقه الله على صورته؛ فأي إعلان أقوى من هذا يمكننا الإعتراف به حول كرامته؟ يحدّثنا إنجيل (متى 18/ 1- 10) عن عاطفة يسوع وقبوله للأطفال الذين يأخذهم بين ذراعيه ويباركهم "لأنَّ لمثل هؤلاء ملكوت السماوات"وكلمات يسوع الأقسى هي لكل من يكون حجر عثرة للصغار: "فَأَولى بِه أَن تُعلَّقَ الرَّحى في عُنُقِه ويُلقى في عُرضِ البَحر". لذلك علينا أن نكرّس أنفسنا لحماية كرامة القاصرين بحنان وإنما بحزم كبير أيضًا.
نعيش في عالم جديد لم يكن بإمكاننا في شبابنا حتى أن نتصوره. ويمكننا أن نصفه بكلمتين بسيطتين: عالم رقمي؛ ولكنّه ثمرة التزام رائع للعلم والتكنولوجيا غيّر، خلال عشرات السنين، بيئتنا وأسلوبنا في التواصل والعيش وقد بدأ أيضًا بتحويل أسلوبنا في التفكير. هو يدهشنا من جهة للإمكانيات الجميلة التي يفتحها لنا ولكننا نتساءل من جهة أخرى إن كنا قادرين على التحكُّم بالعمليات التي وضعناها حيّز التنفيذ. وهذا هو السؤال الجوهري الذي تطرحه البشريّة إزاء مختلف جوانب الأزمة العالميّة والتي هي أزمة بيئيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وأخلاقيّة وروحيّة.
نعرف اليوم أن القاصرين هم أكثر من ربع الأشخاص الذين يستعملون الإنترنت ولكن ماذا يجدون في الشبكة؟ وكيف يتمُّ اعتبارهم من قبل من يسيطر على الشبكة؟ علينا أن نفتح عيوننا وألا نخفي حقيقة مزعجة لا نريد رؤيتها. ألم نفهم خلال هذه السنوات أن إخفاء حقيقة التعديات الجنسيّة هو خطأ فادح ومصدر العديد من الشرور؟ لذلك نحن مدعوون للتحرُّك معًا عالمين أننا بحاجة لبعضنا البعض لإيجاد السبل والمواقف الصحيحة لإعطاء أجوبة فعّالة.
علينا أن نثق أنّه "من الممكن توسيع النظر مجدّدًا وأنَّ الحرية البشريّة قادرة على الحدِّ من التكنولوجيا وإعادة توجيهها ووضعها في خدمة نوع آخر من التقدّم السليم والإنساني والاجتماعي والشامل" (كن مُسبَّحًا، عدد 112). ولكي يكون هذا التحرُّك فعّالاً أدعوكم لمواجهة بعض أخطاء وجهات النظر الممكنة؛ سأكتفي بتعداد ثلاثة منها فقط.
الأول، وهو التقليل من قيمة الأذى الذي يلحق بالقاصرين. أما الخطأ الثاني فهو الاعتقاد بأن الحلول التقنيّة الأوتوماتيكيّة، ووضع المرشِّحات التي تقوم بتحديد وإيقاف انتشار الصور المُسيئة والمضرّة هو كافيًا لمواجهة المشاكل.
إنها إجراءات ضروريّة بالتأكيد، ولكن من الأهميّة بمكان أن يشعر رواد هذا التقدّم التقني أيضًا بقوّة الضرورة الأخلاقيّة باتساعها وبمختلف تبعاتها. وهنا نجد أنفسنا أمام الخطأ الثالث الذي يقوم في الرؤية المثاليّة للشبكة كمملكة حريّة بلا حدود. لقد فتحت الشبكة فسحة جديدة وواسعة لحريّة التعبير وتبادل الأفكار والمعلومات، وهذا أمر جيّد بالتأكيد ولكنها، كما نرى أيضًا، قد قدّمت أدوات جديدة لنشاطات غير شرعيّة ومخيفة؛ وبالتالي فالأمر لا يتعلّق بممارسة الحريّة وإنما بجرائم ينبغي مواجهتها بحكمة وحزم.
لقد تناقشتم حول جميع هذه الأمور فيما بينكم وقد أشرتم في "الإعلان" الذي قدّمتموه لي إلى مختلف الاتجاهات التي ينبغي تعزيز فيها التعاون الملموس بين جميع الأطراف المدعوين للالتزام لمواجهة التحدي الكبير للدفاع عن كرامة القاصرين في العالم الرقمي. وأنا أدعم بحزم واندفاع جميع الالتزامات التي أخذتموها على عاتقكم.
أنتم تتمّنون أيضًا أن يشارك في هذا الجهد المشترك القادة الدينيون وجماعات المؤمنين مجنّدين خبرتهم وسلطتهم وقدراتهم التربويّة وفي مجال التنشئة الأخلاقية والروحيّة. في الواقع وحده النور والقوّة المتأتيان من الله بإمكانهما أن يسمحا لنا بمواجهة هذه التحديات الجديدة. وبالتالي فيما يتعلّق بالكنيسة أنا أؤكِّد لكم استعدادها والتزامها؛ لأنَّ الكنيسة تشعر اليوم بواجب خاص بالالتزام بشكل أعمق من أجل حماية القاصرين وكرامتهم ليس فقط في داخلها وإنما داخل المجتمع والعالم أيضًا، وذلك من خلال تقديم تعاونها الفعّال وجميع قواها لمكوّنات المجتمع التي ترغب في الالتزام في هذا الإطار عينه. لنعمل معًا إذًا لكي نتحلّى على الدوام بالحق والشجاعة والفرح لننظر في عيون أطفال العالم!
إذاعة الفاتيكان.