علينا أن نتشبّه بصبر الله
تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم الأحد صلاة التبشير الملائكي مع وفود الحجّاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس وقبل الصلاة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها:
يحدّثنا إنجيل هذا الأحد الثالث من الصّوم عن رحمة الله وعن ارتدادنا. يخبر يسوع مثل التينة العقيمة. رجل زرع تينة في كرمه وبكل ثقة كان يذهب كلّ صيف يَطلُبُ ثَمَرًا عَلَيها فَلا يَجِد، لأنَّ الشجرة كانت عقيمة.
وإذ دفعه اليأس المتكرِّر لثلاث سنوات فكّر في أن يقطع التينة ليزرع تينة أخرى. فدعا الكرّام وعبّر له عن عدم رضاه وطلب منه أن يقطع الشجرة لكي لا تُعطِّل الأرض. لكنَّ الكرام طلب من ربِّ الكرم أن يصبر وسأله أن يدعها لسنة أخرى بعد يهتمُّ هو بنفسه خلالها بمنح التينة العناية الضروريّة لكي يحرِّك إنتاجيتها.
يمثّل ربّ الكرم الله الآب والكرّام هو صورة يسوع، فيما أنَّ التينة هي علامة البشريّة اللامبالية والعقيمة. يسوع يتشفّع إلى الآب لصالح البشريّة ويسأله أن ينتظر وأن يمنحها المزيد من الوقت لكي تزهر فيها ثمار المحبّة والعدالة. إن التينة التي يريد ربُّ الكرم أن يقتلعها تمثّل حياة عقيمة غير قادرة على العطاء وفعل الخير. إنّها علامة للذي يعيش لنفسه مكتفيًا وهادئًا، مستلقيًا في راحته غير قادر على أن يوجّه نظره وقلبه نحو الذين هم بقربه ويعيشون أوضاع ألم وفقر وعوز. تتعارض مع موقف الأنانية والعقم الروحيّ هذا محبّة الكرام الكبيرة إزاء التينة: هو يصبر ويعرف كيف ينتظر، ويكرّس لها وقته وعمله، ويعد ربَّ الكرم بأن يعتني بشكلٍ خاصّ بتلك الشجرة المثيرة للأسى.
هذا التشبيه يُظهر رحمة الله الذي يترك لنا زمنًا للارتداد. بالرغم من العقم الذي غالبًا ما يطبع حياتنا؛ الله يصبر ويقدّم لنا إمكانيّة التغيير والتقدّم على درب الخير. لكن التمديد المطلوب والذي تمَّ منحه في انتظار أن تثمر الشجرة يشير إلى الارتداد الملِحّ. قال الكرام لربِّ الكرم: "دَعها هَذِهِ السَّنَةَ أَيضًا". إنّ إمكانية الارتداد ليست غير محدودة؛ لذلك من الضروريّ أن نستفيد منها على الفور، وإلا فستضيع إلى الأبد. يمكننا أن نتَّكل على رحمة الله ولكن بدون أن نستغلَّها. لا يجب علينا أن نبرّر الكسل الروحيّ وإنّما أن ننمّي التزامنا لنجيب بجهوزيّة على هذه الرَّحمة بصدق قلب.
وختم البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكيّ بالقول يدعونا الربّ في زمن الصوم إلى الارتداد، وبالتالي على كلٍّ منّا أن يشعر بأنّ هذه الدعوة تسائله ليصلح شيئًا في حياته وفي أسلوبه في التفكير والتصرّف وعيش العلاقات مع القريب. في الوقت عينه علينا أن نتشبّه بصبر الله الذي يثق بقدرة الجميع على النهوض مجدّدًا واستعادة المسيرة. هو لا يطفئ الشعلة الضعيفة بل يرافق ويعتني بالضعيف لكي يتقوّى ويقدّم إسهام المحبّة خاصته للجماعة. لتساعدنا العذراء مريم على عيش أيّام الاستعداد للفصح هذه كزمن تجدّد روحيّ وانفتاح واثق على نعمة الله ورحمته.
إذاعة الفاتيكان