تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد صلاة التبشير الملائكيّ مع وفود من المؤمنين والحجّاج احتشدوا في ساحة القدّيس بطرس ووجّه الأب الأقدس نداءً قال فيه:
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أتابع باهتمام أعمال المؤتمر حول المناخ الذي يُعقد في باريس، ويعود إلى ذهني سؤالاً طرحته في الرّسالة العامّة كُن مُسبَّحًا: "ما هو نوع العالم الذي نريد أن ننقله للذين سيأتون من بعدنا وللأطفال الذين ينمون؟" (عدد 160). من أجل خير البيت المشترك وخيرنا وخير الأجيال المُقبلة ينبغي أن يُوجَّه كلُّ جُهد في باريس لتخفيف نتائج التّغييرات المناخيّة وفي الوقت عينه لمُحاربة الفقر وتعزيز الكرامة البشريّة. لنُصلِّ لكي ينير الرّوح القدس جميع الذين دُعوا لاتّخاذ قرارات مهمّة ويمنحهم الشّجاعة ليضعوا على الدّوام معيارًا للخيار، الخير الأفضل للعائلة البشريّة بأسرها.
يصادف غدًا الذكرى الخمسون لحدث تذكاريّ بين الكاثوليك والأرثوذكس. ففي السّابع من كانون الأوّل ديسمبر لعام 1965، عشيّة اختتام المجمع الفاتيكاني الثاني وبإعلان مشترك للبابا بولس السادس والبطريرك المسكونيّ أتيناغوراس أُزيلت من الذاكرة أحكام الحرم التي تمّ تبادلها بين كنيسة روما وكنيسة القسطنطينيّة عام 1054. إنّها لعلامة إلهيّة أن يتمّ الاحتفال بذكرى علامة المصالحة التاريخيّة هذه، والتي خلَقت الظروف لحوار جديد بين الأرثوذكس والكاثوليك في المحبّة والحقيقة، في بداية يوبيل الرّحمة؛ إذ لا وجود لمسيرة حقيقيّة نحو الوحدة دون طلب المغفرة من الله ومن بعضنا بعضًا من أجل خطيئة الإنقسام. لنصلِّ من أجل البطريرك المسكونيّ العزيز برتلماوس وسائر رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة ولنطلب من الرّبّ أن تُلهم المحبّة الأخويّة على الدوام العلاقات بين الكاثوليك والأرثوذكس.
هذا وكان البابا فرنسيس قد ألقى كلمة قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكيّ قال فيها: في هذا الأحد الثاني من زمن المجيء تضعنا الليتورجيّة في مدرسة يوحنّا المعمدان الذي كان يُنادي "بِمَعمودِيَّةِ التَوبَةِ لِغُفرانِ الخَطايا". وقد نتساءل ربما: "لماذا ينبغي علينا أن نتوب؟ أليست التوبة فقط للملحد الذي يُصبح مؤمنًا وللخاطئ الذي يتبرّر؟ أمّا نحن فلسنا بحاجة للتوبة لأنّنا مسيحيّون، وبالتالي فنحن على ما يرام!" وهذا الأمر ليس صحيحًا.
ولكن وبالتحديد عندما نفكّر بهذه الطريقة نكون بحاجة لنتوب عن موقف التعجرف والغرور هذا. لنسأل أنفسنا إذاً: هل نملك مشاعر يسوع عينها في جميع ظروف الحياة ومناسباتها ؟ على سبيل المثال عندما نتعرّض لسوء أو إهانة هل يمكننا أن نتصرّف دون حقد ونسامح من كلّ قلبنا من يطلب منّا المغفرة؟ وعندما يُطلب منّا أن نشارك الآخرين أفراحهم أو آلامهم فهل نعرف بصدق أن نبكي مع الباكين ونفرح مع الفرحين؟
إنّ صوت يوحنّا المعمدان لا يزال اليوم أيضًا ينادي في صحاري البشريّة، وما هي هذه الصحاري اليوم؟ إنّها الأذهان المغلقة والقلوب القاسية ويحثّنا لنسأل أنفسنا إنْ كنّا فعلاً نسير في الدّرب الصّحيح وإنْ كنّا نعيش بحسب الإنجيل. واليوم كما في الماضي هو ينذرنا بكلمات النبيّ أشعيا: "أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ". إنّها دعوة ملحّة لنفتح قلوبنا ونقبل الخلاص الذي يقدّمه الله على الدوام لأنّه يُريدنا جميعًا أحرارًا من عبوديّة الخطيئة. فالله يقدّم الخلاص لكلّ إنسان ولكلّ شعب دون تمييز لأنّه يريد أن يخلُص جميع النّاس بواسطة الوسيط الواحد يسوع المسيح (1 تيم 2، 4- 6).
إنّ كلّ فرد منّا مدعوّ ليحمل يسوع للذين لم يعرفوه بعد. "الوَيلُ لي إِن لم أبَشِّر!" (1 كور 9، 16)، يعلن القدّيس بولس، لأنّه إن كان الرّبّ يسوع قد بدّل لنا حياتنا ويبدّلها أيضًا في كلّ مرّة نذهب فيها إليه، فكيف لا يمكننا أن نشعر بالرّغبة بحمله للذين نلتقي بهم في العمل والمدرسة وأماكن اللقاء؟ فإن نظرنا من حولنا سنجد بالتأكيد أشخاصًا مستعدّين ليبدؤوا أو ليبدؤوا مجدّدًا مسيرة إيمان إن التقوا بمسيحيّين يضطرمون حبًّا بيسوع. أفلا يمكننا أن نكون نحن هؤلاء المسيحيّين؟ لذلك ينبغي علينا أن نتشجّع: لنخفض جبال الكبرياء والمنافسة ونردم أودية اللّامبالاة والنفور ونقوِّمَ دروب الكسل والمساومة.
وختم البابا فرنسيس كلمته قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكيّ بالقول لتساعدنا العذراء مريم في هدم الحواجز والعراقيل التي تُعيق توبتنا أي دربنا نحو اللقاء بالرّبّ لأنّه وحده، يسوع وحده هو القادر على تحقيق جميع انتظارات الإنسان!
إذاعة الفاتيكان.