لقاء البابا فرنسيس مع الأساقفة الجدد

متفرقات

لقاء البابا فرنسيس مع الأساقفة الجدد

 

 

لقاء البابا فرنسيس مع الأساقفة الجدد

 

 

 

استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الخميس في القصر الرسولي بالفاتيكان الأساقفة الجدد الذين نالوا السيامة الأسقفيّة خلال السنة الجارية وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال: 

 

لقد حاولتم في لقائكم هذه السنة أن تدخلوا في سرّ الأسقفيّة من خلال أحد مهامه الجوهريّة وهو أن نقدِّمَ "لِجَميعِ القَطيعِ الَّذي جَعَلَنا الرُّوحُ القُدُسُ حُرَّاساً لَه" ذلك التمييز الروحي والراعوي الضروري لكي يبلغ معرفة وتحقيق رغبة الله التي نجد فيها كل الملء.

 

يولد التمييز في قلب الأسقف وعقله من خلال الصلاة وعندما يضع الأشخاص والحالات الموكلة إليه بعلاقة مع الكلمة الإلهيّة التي يلفظها الروح القدس. وفي هذه الحميميّة ينضّج الراعي حريّته الداخليّة التي تجعله ثابتًا في خياراته وتصرفاته الشخصيّة والكنسيّة.

 

إن التمييز هو نعمة من الروح القدس لشعب الله المقدّس والأمين، تجعله شعبًا نبويًّا يتحلّى بحسّ الإيمان وبتلك الفطرة الروحيّة التي تجعله قادرًا على الشعور مع الكنيسة. إنها عطيّة ننالها وسط شعب الله وهي موجّهة إلى خلاصه.

 

لكن بالرغم من أنّه يتحلّى بمسؤوليّة شخصيّة لا بُدَّ منها يُدعى الأسقف أيضًا ليعيش تمييزه كراعٍ، كأيِّ عضو من شعب الله، أي في ديناميكيّة كنسيّة على الدوام وفي خدمة الشركة. فتمييز الأسقف هو على الدوام عمل جماعي ولا يستثني أبدًا غنى آراء كهنته وشمامسته وشعب الله وجميع الذين بإمكانهم أن يقدِّموا له مساهمة مفيدة. وبالتالي فهو لا يخاف من أن يشارك أو حتى يغيِّر تمييزه من خلال الحوار الصادق مع إخوته. 

 

 لذلك أدعوكم كي تعزِّزوا موقف إصغاء وأن تنموا في حريّة التخلّي عن وجهات نظركم (عندما تكون جزئيّة وغير كافية) لتعانقوا وجهة نظر الله. وبدون أن تتأثّروا بآراء الآخرين اجتهدوا لكي تكتشفوا بأنفسكم الأماكن والأشخاص والتقاليد الروحيّة والثقافيّة الحاضرة في الأبرشيات الموكلة إليكم.

 

إنّ الرسالة التي تنتظركم ليست أن تحملوا أفكاركم ومشاريعكم الخاصة ولا أن تقدّموا حلولاً فوريّة مبتكّرة، بل هي أن تقدِّموا بتواضع خبرتكم الملموسة لاتحادكم مع الله من خلال خدمتكم للإنجيل الذي ينبغي تعزيزه ومساعدته كي ينمو في تلك الحالات المميّزة. فالتمييز يعني تواضع وطاعة، تواضع بالنسبة لمشاريعنا الخاصة وطاعة بالنسبة للإنجيل.

 

 التمييز هو العلاج ضدَّ ركود مواقف "لقد فعلنا هكذا على الدوام" أو "لنأخذ بعض الوقت للتفكير". إنّه عمليّة مُبدعة ولا تقوم على مجرّد تطبيق مخطّطات. إنَّه الترياق ضدّ التشدّد والقساوة لأن الحلول الجاهزة لا تصلح لجميع الحالات. إنّه الآنيّة الدائمة للقائم من الموت الذي يأمرنا بألا نستسلم إزار تكرار الماضي بل أن نتحلى بالشجاعة لنُسائل أنفسنا إن كانت اقتراحات الأمس لا تزال صالحة من حيث عيش الإنجيل وتطبيقه.

 

وبالتالي أطلب منكم أن تتعاملوا بلطافة خاصة مع الثقافة وتديُّن الشعب إذ ينبغي علينا أن نعتني بهما ونتحاور معهما لأنَّهما يشكلان موضوع بشارة لا يمكن لتمييزكم أن يستثنيهما. وتذكّروا أن الله كان حاضرًا في أبرشياتكم عندما وصلتم إليها وسيبقى فيها بعد رحيلكم عنها وأننا سنُحاسبُ في النهاية لا على نجاح أعمالنا وإنما على نموِّ عمل الله في قلب القطيع الذي نحرسه باسم " راعي نُفوسِنا وحارِسِها" (راجع 1 بط 2، 25).

 

 علينا أن نجتهد كي ننمو في تمييز متجسّد وشامل يحاور ضمير المؤمنين الذي ينبغي علينا أن نربّيه، لا أن نستبدله، من خلال عمليّة مرافقة صبورة وشجاعة كي تنضج قدرة كل فرد على السير في حريّة اختيار وتحقيق الخير الذي يريده الله.

 

إن الراعي مدعوٌّ ليُعدَّ القطيع لقبول نعمة الروح القدس الذي يعرف كيف يدخل في طيّات الواقع آخذًا بعين الاعتبار جميع تبايناته لكي يظهر ما يريد الله أن يحقّقه في كلّ مرحلة. إن الشرط الأساسي للتقدُّم في التمييز هو أن نربّي أنفسنا على صبر الله وأوقاته التي ليست أوقاتنا، فهو لا يُنزِل النار من السماء على غير المؤمنين ( لوقا 9، 53- 54) ولا يسمح للغيورين أن يجمعوا الزؤان من الحقل ( متى 13، 27- 29).

 

لذلك ينبغي علينا أن نقبل يوميًّا من الله الرجاء الذي يحفظنا من كلِّ ما هو مجرَّد لأنّه يسمح لنا أن نكتشف النعمة المختبئة في الحاضر بدون أن نحيد نظرنا عن مشروع محبّته التي تفوقنا.

 

 أسألكم أن تضعوا نصب أعينكم يسوع والرسالة التي لم تكن رسالته بل رسالة الآب، وأن تقدّموا للناس ما عرف أن يعطينا إياه: إمكانيّة اللقاء الشخصي بالله واختيار حياته والتقدّم في محبّته!  

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.