في ختام زيارته الرسوليّة إلى بلغاريا ومقدونيا الشماليّة التقى قداسة البابا فرنسيس مساء الثلاثاء في كاتدرائيّة سكوبيه عاصمة مقدونيا الشمالية الكهنة والرهبان والراهبات في هذا البلد. وألقى قداسته كلمة بعد ترحيب أسقف سكوبيه المطران ميرو ستويانوف وشهادات لكاهنين من الطقسين اللاتينيّ والبيزنطيّ ولراهبة. وجّه البابا في بداية كلمته الشكر على فرصة هذا اللقاء معربًا عن امتنان خاص لعيشه هذه اللحظة التي يشهد فيها الكنيسة تتنفس برئتيها، رئة لاتينيّة ورئة بيزنطيّة، وذلك كي تمتلئ بهواء الرُّوح القدس الجديد والمجدِّد دائمًا.
انطلق الأب الأقدس بعد ذلك من الشهادات التي استمع إليها فتوقف أوّلاً عند الحديث عن انخفاض عدد الكهنة، وقال إنّه حين كان يستمع إلى هذه الشهادات فكر في صورة مريم حين دهنت قدمَي يسوع بطيب من الناردين في بيت عنيا ثمّ مسحتهما بشعرها. وذكَر قداسته بكلمات الإنجيليّ يوحنّا "فعَبِقَ البَيتُ بِالطِّيب" (يو 12، 3).
وأضاف البابا أن هذا الناردين كان قادرًا على أن يغمر كلّ شيء وأن يترك أثرًا واضحًا. وتوقّف قداسته عند إجرائنا في حالات كثيرة الحسابات، كم عددنا وكم لدينا من موارد وكم علينا أن ندعم من أعمال. وحذّر قداسته من أن يقود القيام بالحسابات إلى الإنغلاق على الذات، بينما هو أمر ضروريّ حين يساعدنا على الإكتشاف والإقتراب من الكثير من الأوضاع مثل العائلات التي تجد مصاعب في السير قدمًا، الأشخاص المسنين المتروكين بمفردهم، المرضى في أسِرَّتهم، والشباب الحزانى الذين لا يرون المستقبل والفقراء، حين يجعلنا في حركة لنكون متضامنين ومنتبهين.
وتحدّث الأب الأقدس في هذا السياق عن شخصيّة القدّيسة الأمّ تيريزا، فقال إنّ هذه الأرض قد تمكنت في هذه القدّيسة من إعطاء علامة على قدرة شخص رغم ضعفه، بفضل مسحة الرّبّ، على أن يغمر كلّ شيء بأريج التطويبات. وأشار قداسة البابا إلى الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين عزتهم هذه القديسة بحنان نظرتها وملاطفتها وأنعشتهم بإيمان قادر على أن يجعل مَن ينساهم البشر يشعرون بأن الله لا ينساهم. وتابع قداسته أن التاريخ يكتبه مَن لا يخشون تكريس حياتهم للمحبَّة.
نقطة أخرى تحدّث عنها الأب الأقدس، وانطلاقًا من الشّهادات التي استمع إليها، هي خطر التطلع إلى القوّة والسّلطة، وشدّد البابا فرنسيس هنا على ضرورة العودة إلى الدعوة الأولى مضيفًا أنّنا كثيرًا ما يكون علينا، وكي نجدّد أنفسنا، أن نعود إلى الوراء للقاء الرّبّ واستعادة ذكرى الدعوة الأولى، ودعا من جهة أخرى إلى أن نترك كلّ ما يبعدنا عن الرسالة ويحُول دون أن يبلغ عطر الرّحمة وجه إخوتنا.
ومن شهادة أخرى لكاهن من الطقس البيزنطيّ ولزوجته وأبنائهما، تحدّثوا فيها عن السير قدمًا رغم المصاعب والآلام، إنطلق البابا فرنسيس للحديث عن العائلة التي يمكن أن تصبح كنيسة بيتيّة. وأضاف أن هذه العائلة قدّمت شهادة على أنّ الإيمان لا يُخرجنا من العالم، إنّما يُجذِّرنا فيه بشكل أعمق، في عائلاتنا، بالثقة في محبّة الله غير المشروطة.
وتوقف الأب الأقدس عند مشاعر الحنان والصبر والشفقة وأهميّتها في الخدمة الكهنوتيّة وفي شهادة الحياة المكرسة. وذكّر قداسته في هذا السياق، وحسب ما كتب في الإرشاد الرسوليّ "فرح الحبّ" بعائلة الناصرة، بواقعها اليوميّ المكوَّن من متاعب وحتى من كوابيس، كما حدث حين فُرض عليها أن تعاني من عنف هيرودس غير المبرّر، وهي خبرة تتكرّر بطريقة مأساويّة اليوم أيضًا في الكثير من عائلات اللاجئين.
وختم قداسة البابا فرنسيس كلمته خلال لقائه مساء الثلاثاء الكهنة والرهبان والراهبات في كاتدرائيّة سكوبيه عاصمة مقدونيا الشمالية، في ختام زيارته الرسوليّة، شاكرًا الجميع مجدَّدًا على هذا اللقاء، متضرعًا كي لا يتوقّف الرُّوح القدس عن تجديدنا في الرِّسالة.
إذاعة الفاتيكان.