لا يكوننَّ أحد منكم خائفًا أو حزينًا في بيت الله

متفرقات

لا يكوننَّ أحد منكم خائفًا أو حزينًا في بيت الله

 

 

 

 

 

لا يكوننَّ أحد منكم خائفًا أو حزينًا في بيت الله

 

استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم السبت المشاركين في المجمع العامّ لرهبنة السيسترسيان وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال: 

 

خلال أيّام التأمّل وتبادل الخبرات هذه، أنتم مدعوّون لتحديد أهداف ومسيرات لتعيشوا بأصالة أكبر دعوتكم وتكرّسكم مُدركين متطلّبات الحاضر كي تكونوا شهود صلاة مستمرّة ورصانة ووحدة في المحبّة.

 

 تتميّز حياتكم التأمّليّة بالصّلاة المستمرّة، كتعبير عن محبّتكم لله وانعكاس لمحبّة تعانق البشريّة بأسرها. وإذ تتبعون مثال القدّيس بندكتس، أنتم لا تُفضّلون شيئًا على عمل الله، لذلك أسألكم أن تعطوا أهميّة كبيرة للتأمُّل بكلمة الله، الذي يشكّل ينبوع صلاة ومدرسة تأمُّل. أن تكونوا تأمُّليين يتطلّب منكم مسيرة أمينة ومثابرة، كي تصبحوا رجال ونساء صلاة تملؤهم محبّة الرَّبّ؛ وبالتالي يتطلّب منكم هذا الأمر أن تحبّوا الصّلاة آخذين بعين الاعتبار الأمانة الخارجيّة للممارسات والقوانين التي تُنظِّمها وتحدِّد أوقاتها لا كهدف وإنّما كوسيلة للتَّقدُّم في العلاقة الشخصيّة مع الله؛ فتصبحون هكذا معلّمين وشهودًا يقدّمون له ذبيحة تمجيد ويتشفّعون من أجل حاجات الشّعب وخلاصه.

 

 لقد تميّز رهبان السيسترسيان، منذ البدايات، بحياة رصينة ومُتزنة مقتنعين أنّها تساعد على التركيز على الجوهريّ وبلوغ فرح لقاء المسيح العريس. إنّ عنصر البساطة الروحيّة هذا يحافظ على قيمته للشهادة في الإطار الثقافي المعاصر الذي غالبًا ما يقود إلى الرَّغبة بالخيور الزائلة والسَّعادة الوهميّة. إنّ أسلوب الحياة هذا يعزّز أيضًا علاقاتكم الداخليّة والخارجيّة.

 

أنتم لا تعيشون كحبساء في جماعة وإنّما كرهبان في صحراء واحدة. والله يظهر في عزلتكم الشّخصيّة كما في التضامن الذي يوحّدكم مع أعضاء الجماعة. أنتم وحيدون ومنفصلون عن العالم لتسيروا في درب الحميميّة الإلهيّة، وفي الوقت عينه أنتم مدعوّون لتعلموا هذه الخبرة الروحيّة وتتقاسموها مع إخوة وأخوات آخرين في اتزان مستمرّ بين التأمّل الشخصيّ والاتّحاد بليتورجيّة الكنيسة واستقبال الذين يبحثون عن أوقات صمت ليدخلوا في خبرة الحياة مع الله. إنَّ رهبانيَّتكم، كمُطلق أي معهد رهبانيّ، هي عطيّة من الله للكنيسة، وبالتالي من الأهميّة بمكان أن تعيش داخل البعد الجماعي في الكنيسة. أُشجّعكم كي تكونوا شهادة مميّزة للبحث عن الله ومدرسة صلاة ومحبّة للجميع.

 

إنَّ "شُرعة المحبّة"، أي الوثيقة التي تحدّد أسلوب دعوتكم كما وافقت عليه الكنيسة بشكل رسميّ، تُحدِّد الجوانب الأساسيّة للمجمع العامّ الذي ينبغي أن يكون علامة وحدة في المحبّة للمعهد بأسره. هذه الوحدة في المحبّة هي النموذج في كلّ عائلة رهبانيّة مدعوّة لإتباع المسيح عن كثب في بُعد الحياة الجماعيّة ويتمُّ التعبير عنها في جماعاتكم الرهبانيّة في جوٍّ من المحبّة والأخوّة الحقيقيّة، كما يؤكّد لنا المزمور: "ألا ما أطيب وما أحلى أن يسكن الإخوة معًا"؛ بهذا الصدد يتردّد صدى دعوة القدّيس بندكتس: "لا يكوننَّ أحد منكم خائفًا أو حزينًا في بيت الله". تظهر الوحدة في المحبّة أيضًا في الأمانة للإرث الروحيّ أي في هويّة رهبانيّتكم.

 

وفي هذا السياق يُشكّل المجمع العام فرصة ملائمة كي تجدّدوا، في جوٍّ من الحوار والإصغاء المتبادل، الشركة في البحث عن مشيئة الله. أحثُّكم على مساءلة أنفسكم بصدق حول نوعيّة شهادة حياتكم والأمانة الديناميكيّة لموهبتكم وكيفيّة عيشها في جماعاتكم الرهبانيّة ومن قبل الأفراد أيضًا. إنّ الحفاظ على الموهبة، في الواقع، هو إحدى المسؤوليّات الأساسيّة للمجمع العامّ وهو خبرة حيويّة للحاضر الذي يندرج بين ذكرى الامتنان على الماضي والتطلعات من أجل مستقبل رجاء.

 

 لقد عرفت رهبانيّتكم، في أحداثها التاريخيّة، أزمنة نعمة وأوقات صعوبات، ولكنّها بالرّغم من هذا ثابرت في الأمانة لإتباع المسيح، واضعة نصب عينيها مجد الله وخير الناس. وفي جذور تقليدكم الروحيّ هذا يمكنكم أن تقرؤوا وضع الرهبانيّة الحالي بأنواره وظلاله، وأن تحدِّدوا بشجاعة، في حداثة الروح القدس، إمكانيات وفرصًا جديدة كي تشهدوا لموهبتكم في حاضر الكنيسة والمجتمع.

 

أتمنى أن تصبح هذه الشّهادة أكثر وضوحًا أيضًا بفضل تعاون متناسق بين مختلف فروع الرّهبانيّة.

 

 لترافق العذراء مريم، أمُّ الله وأمُّ الكنيسة ومثال كلِّ حياة مكرّسة، بشفاعتها الوالديّة أعمال مجمعكم ومسيرة الرهبانيّة؛ وإذ أسألكم أن تصلّوا من أجلي، أمنحكم البركة الرسوليّة التي تشمل جميع الرّهبان والرّاهبات في جماعاتكم.

 

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.