يُشغلنا الكثير من المغريات الّتي تقدّمها مجتمعاتنا الإستهلاكيّة على أنّها ضروريّة.
إنّ الكلمة الّتي تتردّد أربع مرّات إنجيل (متى 6: 25 – 34) هي:
لا تهتمّوا! لماذا يهمّكم؟ هل من الممكن أن لا نهتمّ؟ إنّ حياة الإنسان مليئة بأمور تستدعي الإهتمام، ويشعر أحيانًا بأنّها تُلقي بثقلها عليه وتشُلّ حركته. وأغلب الأمور الّتي نهتمّ بها تتعلّق بالحاجات الأساسيّة للحياة: ماذا نأكل؟ كيف نلبس؟ وتأتي بعد ذلك مشكلات السَّكن، والصِّحة، والتّعليم، بغضِّ النظر عن الهموم الّتي تتعلّق بالأمان والعدالة.
ما الذي يجب أن نعمله إذاً لكي نُعطي الأولويّة لملكوت الله؟ كيف سنعمل لبناء هذا الملكوت وبرّه؟
لنفهم جيّداً، الله لا يطلب منّا أن لا نهتمّ بأي شيء، بل أن نهتمّ بما هو أساسيّ في الحياة وأن نُعطي الأولويّة لله؛ وبدلاً من أن أعمل من أجل ملكوتي، عليَّ أن أُكرّس نفسي لمجيء ملكوت الله. بدلاً من أن أصرف كلّ وقتي وكلّ جهدي لأعرف ماذا آكُل وكيف ألبس، عليَّ أن أعمل من أجل ملكوت الله وبِرّه. في هذه الحالة يمكنني أن أكون واثقاً من أنّ الله سيهتمّ بملكوتي وسيُعطيني كلّ ما أنا بحاجة إليه من أجل جسدي وفكري وقلبي.
مشكلتنا أنّنا نعتقد بأنّ الله يقيس الفائدة من حياةٍ ما كما يقيسها الناس. لكنّ الله لا ينظر من الخارج بل ينظر إلى القلب وإلى الحبّ الّذي نضعه في كلّ ما نقوم به. لقد عاش يسوع ثلاثين سنة إبناً لنجّار في الناصرة لأنّه كان يريد بالتّأكيد أن يُعلّمنا أنّ الحياة الخفيّة ليست وقتًا ضائعًا؛ وأنّه يمكنني أن أعمل لملكوت الله، في نفس الوقت الّذي أعمل فيه كعاملٍ بسيط، يعيش في مكان مجهول. لقد أعطى يسوع المعنى لحياة كلّ الّذين يعتقدون بأنّه لا فائدة منهم في مجتمعاتنا من أجل بناء الملكوت. حياته هي البُشرى السارّة بامتياز، حياة بالأفعال وليس بالكلام. وأنت أيضاً، إقبلْ ذاتك كما أنت؛ عِش في يوم الله، وأعطِ ثماراً في المكان الّذي زرعك الله فيه.
هناك كثير من الأشخاص مستعدّين أن يعملوا بمشيئة الله... اعتبارًا من الغد. لكنّ مشيئة الله هي لليوم الحاضر. "مَن يملك اللحظة الحاضرة لديه الله؛ وبالتالي مَن يملك اللّحظة الحاضرة لديه كلّ شيء". لماذا تهتمّ؟ «فإذا كان عشب الحقل، وهو يوجد اليوم، ويُطرَح غداً في التّنور، يُلبسه الله هكذا، فما أحراه أن يُلبِسَكم، يا قليلي الإيمان» (متى 6: 30). إنّنا نهتمّ كلّ الوقت بما قد يحصل: حادث- حرب - مرض - فشَل - خيانة! وهذا القلق يشلُّنا في غالب الأحيان ويمنعنا من عمل ما كان يجب أن نعمله اليوم. إنّ المستقبل يُلقي بثقله علينا؛ لكنّ ثقل اليوم هو على قدر ما أستطيع.
هل أنا من الأشخاص الّذين يتحسّرون على الماضي ويختبئون فيه خوفاً من المستقبل، أم من الّذين يرون أن السعادة تكمن في المستقبل وينبذون الماضي؟ الخطر الّذي يكمن هنا هو أنّنا ننسى العيش في اللّحظة الوحيدة المتوفّرة أمامنا، وهي اللّحظة الحاضرة.
فأنا لم أعُد أملك الماضي، والمستقبل لا يزال بين يديّ الله وعنايته. ملكوت الله ليس في الماضي ولا في المستقبل، بل في الإخلاص والحبّ اللذَين أعيش بهما اللّحظة الحاضرة، «يوم الله».
كيف يُمكنني العمل من أجل ملكوت الله؟ فأنا لستُ بطلاً ولا قدّيساً. لستُ على المستوى المطلوب لأبني ملكوت الله. لا أملك المؤهّلات الضروريّة؛ إنّها مسؤوليّة تتجاوزني، فكيف لا أهتمّ؟ أطلبوا أوّلاً الملكوت لا يعني: اذهبوا إلى البعيد وحقـِّـقوا أعمالاً عظيمة في موضع آخر. كلا، إنّ ذلك يعني: أعطوا لكلّ أمر، مهما بدا لكم قليل الأهمّيّة، القسط اللازم من الحبّ والإخلاص.
فالقداسة لا تكمن في عمل أشياء عظيمة، بل في عمل الأشياء الصَّغيرة اليوميّة بقلب كبير.
هنري فسكردي - موقع Jespro