في رسالة القدّيس بولس إلى أهل فيليبّي (4 /4 -7) دعوة إلى الفرح. لعلّ الأمر يبدو عاديًّا، بل وسطحيًّا. سهل جدًّا أن تقول لإنسانٍ إفرح ولا تحزن. الصّعب هو أن يستطيع فعل ذلك. فهناك سرّ غريب في الإنسان وهو أنّه يستطيع أن يحزن بسهولةٍ أشدّ من قدرته على الفرح.
أمور تافهة بسيطة تنغّص له عيشه وتسبّب له الحزن، ولكنّ الأمور البسيطة التافهة لا تولّد فيه عمومًا الفرح، أللّهمّ إلاّ إذا كان يتمتّع بقلب طفل وروح طفل، يفرح حتّى للأمور البسيطة.
من أين أتى هذا الطبع؟ من التربية بدون شكّ. فالميل في التربية إلى التأنيب وتوجيه الملاحظة لأيّ مخالفةٍ للشريعة الموضوعة، وعدم الثناء أو المديح على تطبيقٍ جزئيٍّ لهذه الشّريعة، جعل الإنسان ينظر دومًا إلى الأمور نظرة سلبيّة، وأزاح عن تفكيره «ثقافة الفرح». فبما أنّ الكمال لله، هناك دومًا نقص، خلل، سقطة، في ما نفعله. وبالتالي، هناك دومًا منغّص، داعٍ للانتقاد، للشكوى، للاتّهام.
يعيش الإنسان مستقيمًا فترة من الزمن. وفي لحظة ضعفٍ يخطئ، فيتولّد الشعور لديه، ولدى الّذين حوله، بأنّه إنسان خاطئ، فاشل، لا نفع له. وماذا عن الفترة التي عاشها باستقامة؟ لقد اختفت عن العيون، ولم يعد هناك إلاّ الخلل. ومع الخلل حزن، كآبة، انتقاد... وغياب للفرح.
في هذا الواقع الأنثروبولوجيّ يرتفع صوت القدّيس بولس وينادي: إفرحوا. أجل، لديكم هموم ومشكلات، ومع ذلك إفرحوا؛ لقد سقطتم سقطاتٍ لا يُمكن إزالتها، ومع ذلك إفرحوا؛ أحلامكم تحطّمت، آمالكم خابت، آلامكم الجسديّة والنفسيّة ازدادت، إفرحوا، وأقول أيضًا إفرحوا.
كيف نفرح يا بولس؟
هوذا البرنامج: لا تعتمدوا على قواكم الشخصيّة بل على رحمة الله: «كُلَّما عَرَضَت لَكم حاجة، إِرْفَعوها إِلى اللهِ في الصَّلاةِ وَالابتِهالِ وَالحَمْد».
آ) تواصلوا مع الله في الصَّلاة فإنّه مصدر الفرح الحقيقيّ.
ب) إبتهلوا إليه كي يصفح عن زلاّتكم، فأنتم لا تريدونها في أعماقكم ولكنّكم زللتم فيها، كما تزلّ قدمكم في المسير وتسقطوا من دون أن تريدوا السّقوط، وتسرعون بعدها إلى النهوض. وإن عجزتم عن النهوض تطلبون المساعدة.
جـ) احمَدوا الله لأنّه لا ينظر إلى لحظة ضعفكم بل إلى أشواق قلبكم، فيعرف أنّكم تحبّنوه، وتريدون أن تكونوا له أوفياء، وتجاهدون لأجل ذلك. احمدوه لأنّه يدرك أنّ الجهاد كرّ وفرّ، وفي لحظات الضعف والهزيمة لا يفقد رجاءه فيكم بل يشجّعكم ويقول انهضوا، تشجّعوا، افرحوا، فالحرب لم تنتهِ. واصلوا جهادكم.
هل هذا ممكن؟ أجل. «فإِنَّ سلامَ اللهِ الَّذي يَفوقُ كُلَّ إِدراكٍ يَحفَظُ قُلوبَكم وأَذْهانَكم في المسيحِ يسوع». لعلّ الكلمة الأهمّ في هذه الآية هي «سلامَ اللهِ الَّذي يَفوقُ كُلَّ إِدراكٍ». أمر عجيب، أمر مدهش، أمر رائع. لا يزال الأفق مفتوحًا والتغيير ممكنًا مهما فعلنا، ومهما ثقلت علينا آثامنا.
فلنبتهل إلى الله كي يُحيي فينا رجاء العودة، ولنسبّحه لعظمة محبّته وروعة رعايته لنا في كلّ الظروف وفي جميع الأحوال.
الأب سامي حلّاق اليسوعيّ.