"لا يمكننا أن نخلط بين التناغم الذي يسود في جماعة مسيحية كثمرة للروح القدس والسكينة نتيجة التفاوض والتي تغطّي غالبًا وبشكل منافق التناقضات والإنقسامات الداخليّة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان وأكّد أن الجماعة المتّحدة بالمسيح هي أيضًا جماعة شُجاعة.
استهل الأب الأقدس عظته انطلاقًا من القراءة التي تقدّمها لنا الليتورجية اليوم من كتاب أعمال الرسل ( 4/ 32 -37) وقال: قلب واحد ونفس واحدة، لا يوجد فقير وجميع الخيور موزّعة بحسب الحاجة، هناك كلمة واحدة بإمكانها أن تلخّص مشاعر الجماعة المسيحيّة الأولى وأسلوب حياتها بحسب الوصف الذي يقدّمه لنا كتاب أعمال الرسل وهي: التناغم. ولكنّها كلمة ينبغي علينا أن نتّفق على معناها لأنها لا تعني مجرّد اتفاق وإنما عطيّة من السماء للذين، وكما يختبر المسيحيون الأوائل، يولدون مجدّدًا من الروح القدس.
يمكننا أن نقوم باتفاقات ونقيم نوعًا من السلام ولكنّ التناغم هو نعمة داخليّة وحده الروح القدس قادر على تحقيقها. وهذه الجماعات كانت تعيش بتناغم، وهناك علامتان للتناغم: لا وجود لأي معوز أي أن كل شيء كان مُشتركًا، بأي معنى؟ لقد كانوا قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة، لا يَقولُ أَحدٌ مِنهم إِنَّه يَملِكُ شَيئًا مِن أَموالِه، بل كانَ كُلُّ شَيءٍ مُشتَرَكًا بَينَهم. في الواقع لم يكن بينهم أي معوز. فالتناغم الحقيقي الذي يقيمه الروح القدس مرتبط بقوّة بالمال: المال هو عدو التناغم، والمال هو أناني ولذلك فالعلامة التي يعطيها التناغم هي أن الجميع كانوا يعطون ما يملكونه لكي لا يكون هناك معوزًا بينهم.
أضاف الحبر الأعظم مسلّطًا الضوء على المثال الذي يقدّمه لنا نص أعمال الرسل في برنابا الذي كانَ يَملِكُ حَقلاً فَباعَه وأَتى بِثَمَنِه فأَلقاهُ عِندَ أَقدامِ الرُّسُل. ولكن الآيات التي تتبع والتي لا تحتويها قراءة اليوم تقدّم لنا حدثًا آخر يتناقض مع الحدث الأول وهي قصّة حننيا وسفيرة اللذان باعا ملكًا لهما واقتطعا قسمًا من الثمن واحتفظا به لنفسيهما وأَتيا بالقِسمِ الآخَر فأَلقياهُ عِندَ أَقدامِ الرُّسُل مُتظاهرين بأن هذا هو المبلغ الكامل، ولكن كان ثمن هذا الخيار مرًّا جدًّا لأنه تسبب بموت حننيا. إن الله والمال هما سيدان مختلفان ولا يمكن خدمتهما معًا في الوقت عينه. ولذلك لا يمكننا أن نخلط بين التناغم والسكينة.
يمكن لجماعة ما أن تعيش بهدوء وأن تسير جميع الأمور فيها على ما يرام ولكن هذا الأمر ليس تناغمًا. لقد سمعت مرّة أسقفًا يقول أمرًا حكيمًا: "في الأبرشيّة نوع من الهدوء نسبيًّا ولكن إن لمست هذه المشكلة أو تلك فستندلع الحرب فورًا". هذا ما نسميه تناغم نتيجة للتفاوض وهذا ليس من الروح القدس، إنه، وكما يمكننا القول، تناغم منافق كالتناغم الذي دفع حننيا وسفيرة للقيام بفعلتهما.
وختم الأب الأقدس عظته داعيًا الجميع لإعادة قراءة كتاب أعمال الرسل حول المسيحيين الأوائل وأسلوب حياتهم المشتركة وقال سيساعدنا جدًا لنفهم كيف نشهد للتجدّد في الأُطر التي نعيش فيها، عالمين أنه وكما بالنسبة للتناغم، يمكننا أن نلمس أيضًا في التزام البشارة علامة عطيّة أخرى.
فتناغم الروح القدس يعطينا ذلك السخاء لكي لا يكون لدينا أي ملك خاص طالما هناك شخص معوز. إن تناغم الروح القدس يعطينا موقفًا ثانيًا: القوّة التي من خلالها كان الرسل يشهدون لقيامة الرب يسوع إذ كانوا كلّهم يتحلّون بالشجاعة. وبالتالي عندما يوجد التناغم في الكنيسة والجماعة توجد أيضًا الشجاعة للشهادة للرب القائم من الموت.
إذاعة الفاتيكان.