تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر يوم الأحد صلاة التبشير الملائكي في ساحة القديس بطرس، وتحدث قبل الصلاة إلى المؤمنين والحجاج مذكرًا بأن ليتورجيا هذا الأحد الرابع من زمن المجيء تركز على شخصية مريم العذراء الأم بانتظار ميلاد مخلص العالم، يسوع.
ودعا البابا إلى التأمل في مريم مثال الإيمان والمحبة، والتساؤل حول أفكارها خلال أشهر الانتظار تلك. الإجابة على هذا التساؤل الذي يحدثنا عن زيارة مريم لاليصابات حسب إنجيل القديس لوقا ( لو 1، 39-45). فقد أخبر الملاك جبرائيل مريم بأن اليصابات قد حبلت وبلغت الشهر السادس، وهكذا قامت مريم العذراء التي حبلت للتو بيسوع بعمل الله بالتوجه مسرعة من الناصرة إلى الجبل إلى مدينة في يهوذا.
ويقول لنا الإنجيل "ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا فَسَلَّمَت على أَليصابات" (40)، مريم هنأت اليصابات بالحبل ثم حيت اليصابات العذراء قائلة "مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ! مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟" (42-43). ثم واصلت أليصابات ممجدة إيمان مريم: "فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ (45).
ثم أراد قداسة البابا الإشارة إلى ما وصفه بالتناقض الواضح بين مريم التي كان لديها إيمان، وزكريا زوج اليصابات الذي لم يصدق وعد الملاك، ولهذا يظل صامتا لا يستطيع الكلام إلى يوم ميلاد يوحنا.
إن إنجيل اليوم يساعدنا على أن نقرأ في ضوء خاص جدًا سرّ لقاء الإنسان بالله، لقاء يقوم على الإيمان والمحبة. فمريم طوباوية لأنها آمنت، لقاء الله هو ثمرة الإيمان، أمّا زكريا الذي شك ولم يصدق فظل صامتًا وذلك كي يكبر في الإيمان خلال هذا الصمت الطويل.
بدون إيمان لا نسمع صوت الله المعزي ولا يمكننا أن ننطق بكلمات عزاء ورجاء لأخوتنا. وأكد قداسته هنا على أن من لديه إيمان ضعيف لا تكون لديه، حين يتوجه إلى الآخرين المتألمين والمعانين، القوة ليقول لهم كلمات عزاء قوية، ينطق بالكلمات المعتادة لكنه لا يتمكن من بلوغ قلوب الآخرين، فهو لا يملك القوة وذلك لأنه لا يملك الإيمان، وبدون الإيمان لا تأتينا الكلمات القادرة على بلوغ قلوب الآخرين.
انتقل البابا فرنسيس بعد ذلك للحديث عن المحبة التي ينمو فيها الإيمان، وذكّر بحديث إنجيل لوقا عن كون مريم قد "قامت" للذهاب مسرعة إلى اليصابات، والقيام هو فعل مفعم بالحنان. فقد كان بإمكان مريم أن تظل في بيتها لتستعد لميلاد يسوع، لكنها اهتمت أولا بالآخرين لا بنفسها لتثبت هكذا إنها تلميذة للرب الذي تحمله في بطنها.
الميلاد يبدأ هكذا، بفعل محبة بسيط، مذكِّرا بأن المحبة الحقيقية هي دائما ثمرة محبة الله. الإنجيل الذي يحدثنا عن زيارة مريم لأليصابات يُعدِّنا لعيش الميلاد بشكل جيد لأنه ينقل إلينا ديناميكية الإيمان والمحبة، تلك الديناميكية التي هي عمل الروح القدس، روح المحبة، ديناميكية ممتلئة بالفرح مثل ما نرى في لقاء الأُمَّين الذي هو نشيد ابتهاج فرحِ للرب الذي يصنع أعمالا عظيمة للصغار الذين يثقون فيه.
لنطلب من مريم العذراء أن تهبنا نعمة عيش الميلاد واضعين في المركز لا ذواتنا، بل الآخرين وخاصة مَن هم في حاجة إلى عون. فلنفسح المجال للمحبة التي تريد اليوم أيضًا أن تتجسد وأن تأتي لتسكن بيننا.